لا يمل عشاق القهوة من التغزل بها كل صباح، والتوقف عند رائحتها، وشمّها قبل الرشفة الأولى، فهي التي تعلن بداية اليوم بشكل رسمي، وتحفز الحواس باتجاهها. وهي رفيقة العمل، وجلسات الأصدقاء، والأقرب إلى روائح الأمهات ومطابخهن، وهي التي فتحت المقاهي في كل العالم، وجمعت حولها السياسيين والأدباء والمعارضين.
كثيرة هي القصص المرتبطة بالقهوة، في هذا التقرير اورد رصيف22 أغربها.
قصة أول فنجان قهوة في العالم
النزاع حول أول حبة بن يدور بين اليمن وأثيوبيا، القصة الأثيوبية تقول إن راعياً اسمه “كالدي” أو “خالدي” لاحظ أن الماعز في قطيعه يتغير سلوكها كلما أكلت من هذه الحبّات البنية الخضراء، فقرّر تذوقها عملاً بقاعدة أن ما تأكله الحيوانات لا يضر البشر.
لاحظ الراعي أن طاقته ازدادت وتركيزه ارتفع، فأخذ بعض هذه الحبوب إلى أحد الأديرة القريبة حيث رفض الراهب تجربتها ورماها في الموقد، ففاحت رائحة القهوة المحمصة السحرية في العالم للمرة الأولى، ما جلب بقية الرهبان الذين أصروا على تذوقها، فأضافوا الماء للحبوب الساخنة ليبردوها، ومن هنا كان أول فنجان قهوة في العالم.
القصة الأثيوبية تقول بأن راعياً لاحظ أن الماعز يتغير مزاجها كلما أكلت من هذه الحبوب، فأخذ بعضها إلى دير قريب حيث رماها الراهب في النار رفضاً لها، ففاحت رائحة القهوة المحمصة لأول مرة في العالم
أما القصة الثانية فتقول إن زارعها وصانعها الأول أبو الحسن الشاذلي صاحب أحد الطرق الصوفية من قرية موكا في اليمن، وأنه بعد أن نفي وداهمه الجوع، وجد حبات لنبات يشبه الكرز، فتذوقه فوجده مراً وقاسياً، فوضعه على النار ليقلل من قسوته وكان هذا أول فنجان قهوة عرفه العالم، وهي القصة التي تفسر تسميتها بالشاذلية في بعض مناطق اليمن والجزيرة العربية.
قصة الحبات السبع غير المحمصة
بغض النظر عمن اكتشفها، لكن زراعتها الأولى بدأت من اليمن، إلا أن زرّاعها احتفظوا بسر زراعتها سراً، ولم يكونوا يبيعوها إلا محمصة خوفاً من أن يقوم التجار ببيع بذورها وإعادة زراعتها.
كانت أول عملية تحميص وتحضير للقهوة في عام 1414 ميلادي، ومن اليمن وصلت إلى مكة، لكن تاجراً هندياً يقال إن اسمه “بابا بودان” كان يستورد هذه الحبوب من الجزيرة العربية تمكن من تهريب 7 حبات غير محمصة في موسم الحج، فأخذها إلى بلاده، وحاول زراعتها في الهند ونجح، ومن هناك انتشرت زراعة القهوة في كل العالم.
كانت اليمن لقرون المركز الرئيسي لإنتاج وتصدير القهوة في العالم، ونتيجة انتشارها بين الصوفيين وسميت بنبيذ المسلمين بالإضافة إلى اسمها الأول الشاذلية، فاعتُبِرت مشروباً إسلامياً لأن الصوفيين كانوا يشربونها قبيل التعبد.
قصص تحريمها من رجال الدين والسياسيين
أول مقهى في العالم ظهر في مكة، وتم إصدار فتاوى من مختلف الشيوخ حينها انتقلت من مكة إلى أماكن مختلفة بتحريم القهوة، تحديداً في عام 1511 ميلادي، وذلك بسبب تأثيرها على الجسم ومقارنتها بالكحول، إلا أن فتاوى إباحتها غلبت في النهاية، وقد ساهم إقبال الصوفيين عليها ورفضهم لفتاوى تحريمها في هذا الأمر.
كان تجار اليمن يرفضون بيع حبوب البن غير المحمصة خوفاً من أن تعاد زراعتها، لكن تاجراً هندياً تمكن من الحصول على 7 حبات خضراء، فانتشرت زراعتها في العالم
أينما انتشر الإسلام انتشرت القهوة، ويمكن القول إن رائحتها الساحرة عُرفت في العالم مع بداية القرن الخامس عشر، فوصلت إلى مصر وبلاد الشام. أما في عهد العثمانيين فقد تم توثيق افتتاح أول مقهى واسمه “كيفا خان” في العام 1554 ميلادي بعد أن كان مشايخ السلطنة قد حرموها ، وتم افتتاحه على يد سوريين أحدهما من حلب والآخر من دمشق.
لكن لاحقاً وفي عهد مراد الرابع قام هذا السلطان بتحريم القهوة بعد أن وصلته أخبار تجمع معارضيه واالمتمردين على السلطنة فيها، فكان يقطع رأس من يشربها.
في أوروبا، وكما هي عادة المستشرقين، كتب هؤلاء عن عن مشروب غريب ذو لون أسود داكن مر الطعم يشربه الناس في الشرق، وظل هذا الغموض محيطاً بفنجان القهوة حتى حلول القرن السابع عشر، حيث دخلت إلى فينيسيا في عام 1615 ميلادي، ومن هناك انتشرت وأصبحت الموضة الجديدة في القارة العجوز.
وكما هي العادة، حاربها رجال الدين والكنيسة في البداية، مطلقين عليها اسم “الاختراع الشيطاني المر”، وقد أثارت جدلاً كبيراً إلى أن تدخل البابا كليمنت الثامن، الذي قرر أن يتذوق القهوة بنفسه قبل أن يتخذ القرار النهائي بخصوصها، وبعد أن شعر بالرضا عند شربه أول رشفه، منح المشروب موافقة بابوية.
أصبحت بيوت القهوة بسرعة مراكز الأنشطة الاجتماعية وأماكن التواصل في المدن الكبرى، في إنجلترا والنمسا وفرنسا وألمانيا، وارتبطت اجتماعات الثوار بالمقاهي قبيل الثورة الفرنسية إلى الحد الذي صارت فيه الشرطة تهاجم المقاهي وملأتها بالمخبرين.
قصة قهوة أمريكانو
بعد انتشار القهوة، وبعد أن أصبحت تحصيلاً حاصلاً وواقعاً لا مفر منه، لم تعد الحكومات تحارب المقاهي ولا المؤسسات الدينية تحرمها، وبالتالي انتشرت وصفة خاصة في كل بلد في العالم بهذا المشروب، فمن القهوة العربية، إلى التركية، إلى الفرنسية، إلى الاسبرسو، إلى الأمريكية فالأمريكانو.
لكن بماذا تختلف الأولى عن الثانية؟
كان الجندي الأمريكي يطلب إضافة الماء الساخن إلى الاسبرسو لتخفيف حدتها، خلال الوجود الأمريكي هناك في نهاية الحرب العالمية الثانية، فأسماها الطليان أميريكانو للسخرية من الذائقة الناعمة
في نهاية الحرب العالمية الثانية وأثناء تواجد بعض الجنود الأمريكيين في إيطاليا، وجدوا أن قهوة الاسبرسو ثقيلة جداً بالمقارنة بالقهوة الأمريكية المفلترة، فكانوا يطلبون من المقاهي فنجان اسبرسو بعد أن يطلبوا من النادل يضيف الماء الساخن.
الإيطاليون الذين وجدوا في الأمر إهانة لقهوتهم الشهيرة، وضعوا الماء الساخن فوق الاسبرسو، لكن ليس قبل أن يضيفوا أيضاً بعض السخرية، فأسموها “أمريكانو” أي الأمريكية لدفع تهمة إفساد مذاق الاسبرسو عن أنفسهم، واليوم إذا ذهبت إلى مقهى وطلبت أميريكانو فالوصفة هي “شوت اسبرسو + 2 شوت ماء ساخن”.
أصناف القهوة الأربعة في العالم
غالبية محصول القهوة في العالم يأتي مما يسمى “حزام البن” وهي الدول الموجودة على أو حول خط الاستواء بين مداري السرطان والجدي.
هناك أربعة أنواع مميزة من حبوب القهوة: الأرابيكا “أي العربية”، الروبوستا، الليبيريكا، والإكسيلسا. لكل منها نكهة وخصائص مختلفة تعتمد بالأساس على اختلاف المنطقة والتربة والمناخ وطرق المعالجة. فإن كنتم من عشاق القهوة، سيتيح لكم هذا الشرح التعرف إلى خصائص كل نوع، وربما سؤال النادل في المرة القادمة عن نوع قهوتكم.
أول مقهى في العالم كان في مكة، وأول مقهى في السلطنة العثمانية تم افتتاحه من قبل سوريين اثنين، أحدهما من دمشق والثاني من حلب
أرابيكا
تتميز حبوب أرابيكا بنكهة ألطف وأحلىمن باقي الأصناف، مع نكهات تشمل الفواكه والتوت والزهور، وأحياناً مع تداخل روائح مثل الشوكولاتة والمكسرات، وذلك حسب الصنف وظروف الزراعة الخاصة. تحتوي حبوب العربية عادة على نسبة أقل من الكافيين مقارنة بحبوب الروبوستا، مما يجعلها الخيار الأفضل لمن يرغبون بقهوة لطيفة، وهي تشكل 75٪ من محصول القهوة العالمي.
روبوستا
تتميز حبوب الروبوستا بنكهة أقوى مع من الأرابيكا مع مذاقات أرضية وخشبية أكثر مرارة وحموضة. وتحتوي هذه الحبوب عادة على نسبة أعلى من الكافيين مقارنة بحبوب الأرابيكا، مما يمنح عشاقها نكهة أكثر حدة، تُستخدم الروبوستا في خلطات الاسبرسو والقهوة الفورية، لأنها تنتج رغوة أكثر سماكة، ولديها قابلية أفضل للذوبان، مما يجعلها مثالية للكابتشينو والمشروبات الأخرى التي تحتوي على اسبرسو.
تنمو حبوب الروبوستا في مناطق في إفريقيا وإندونيسيا، وبعض مناطق فيتنام.
ليبيريكا
تنتشر زراعتها في غرب أفريقيا وتحديداً في ليبيريا التي تنسب إليها، وهذا النوع أقل شيوعاً بكثير من حبوب الأربيكا والروبوستا، إذ تشكل بالكاد 2% من محصول القهوة العالمي، وتوصف بأنها تحتوي خليط نكهات فواكه وزهور وتوابل، ونظراً لأنها حادة المذاق وقوية، فقد لا تكون محببة لدى جميع عشاق القهوة.
حبوب الإكسيلسا لها نكهة حامضة وفاكهية، ويتم تشبيهها في بعض الأحيان بمزيج من الكرز الحامض، والتوت الداكن، والحمضيات الخفيفة. وتُستخدم في الخلطات لإضافة تعقيد إلى ملامح النكهة، لكنها عموماً تحتوي على محتوى أقل من الكافيين من حبوب الروبوستا والأرابيكا.
إكسيليا
البعض يصنفها بأنها نوع من أنواع الليبيركا وليست صنفاً قائماً بذاته، تُزرع هذه الحبوب في جنوب شرق آسيا، وتحديداً في فيتنام والفلبين. توصف بأنها مسببة للارتباك، وشديدة الحموضة أكثر من المرورة.
المصدر: رصيف22