No Result
View All Result
تجلس سلوى وسط دائرة من صديقاتها، تغطي عيناها بيديها ثم تبدأ بالبكاء بصوت مسموع، تتساءل الصديقات عن السبب ويبدأن جميعا بالغناء :
-مالك تبكي يا سلوى؟
ابكي على صديقتي
-من هي صديقتك؟
-من هي رفيقتك يا سلوى؟
واحدة جميلة
-اسمها ايه؟
اسمها سميرة
تلك واحدة من عشرات الألعاب الشعبية الجميلة في اليمن، وهي خاصة بالفتيات الصغيرات، حيث يلبسن أجمل الثياب وتقوم أمهاتهن بظفر جدائل شعرهن بعناية، ثم يخرجن الى الحي ويجتمعن في احدى زواياه، اما الأولاد فيراقبون من بعيد ويمارسون العابا اخرى اكثر اثارة.
تتنوع العاب الأطفال القديمة في اليمن وتتعدد بحسب الزمان والمكان، فهناك العاب انتشرت في مناطق معينة، واخرى اشتهرت في مناطق، وقد تجد لعبة واحدة لكن اسمها يختلف من مكان لآخر، والعابا تلقى رواجا في اوقات من السنة ثم تختفي وتعود، وما يجمع كل تلك الألعاب أن الأطفال استمتعوا بها كثيرا ايام الزمن الجميل -كما يصفه اليمينون- وما تزال عالقة في أذانهم حتى اليوم.
بلقيس ومهمة البنت الكبيرة
لم تستمتع بلقيس علوان بطفولتها كما يجب، تقول وقد أصبحت أماً لشابين وهي الآن دكتورة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء: ”سويت نفسي عاقلة من بدري وما استمتعت بطفولتي كوني البنت الأكبر فلعبت دور الشاطرة الباشتة حبيبة امها”..تضيف في حديثها لموقع ريفلكشن عربي : ”كنت بنت كما يجب ان تكون البنت الكبيرة في البيت ، لها مهام لا تنتهي وتشارك ايضا بتربية اخوتها الصغار”.
تقول الدكتورة بلقيس أن التنميط كان حاضرا بقوة في طفولة كل البنات، البنات يلعبن العابا معينة خاصة بهن، ومن تبتعد قليلا ولعبت كرة قدم مثلا، قالوا عنها ”هذه مش بنت هذه ولد”.
وتشير الى ان ”التوثيق” مهم كوسيلة للحفاظ على العاب الأطفال ايام زمان، في ظل صعوبة استمرارها اليوم؛ فمزاج الاطفال تغير وطبيعة البيت والحي والتمدن وانعدام الأمن جعل العاب التكنولوجيا خيار مناسب للاطفال واسرهم.
توضح قائلة: ”كانت الحارة مكان آمن الكل يعتبر نفسه أب وأم لكل الاطفال، الآن لا يتقبل أحد أن يتدخل الآخرين في تربية ابنائه، كانت المعلامة والمسجد وبركة المسجد وأمام البيوت كلها متنفسات للاطفال واليوم لا أحد يسمح بذلك، ناهيك عن أن أغلب منازل الناس شقق محصورة تحتبس الأسر داخلها ولا تجد لأطفالها متنفسا، خاصة في المدن”.
ما قبل البلاستيشن وألعاب الإنترنت
تتحدث (مريم) بأن ابنتها (ليان) لم يتجاوز عمرها خمسة اعوام، تقضي ساعات طويلة في اليوم وبيدها جهاز الآيباد تتنقل بين الألعاب والفيديوهات.. وبتنهيدة تحمل الكثير من الحنين تستذكر مريم وهي تبتسم، ماذا كانت تلعب وهي بعمر ابنتها تقول لـ ريفلكشن عربي:” العاب زمان كانت بسيطة لكنها مسلية، اتذكر حتى اليوم كل صديقاتي، لعبنا سويا وقضينا اوقاتا ممتعة، ما يميز العابنا انها كانت جماعية، بعكس الألعاب التي وفرتها التكنولوجيا اليوم للأطفال، العاب تصيبهم بالتوحد والتوحش”.
اما تسنيم فتشتكي من أبنها تتحدث لريفلكشن أن وائل (13 عام) يجبر والده بين فترة واخرى على شراء آخر اصدارت العاب البلاستيشن، ويرمي بالسابقات لديه رغم انها جديدة .. تضيف قائلة: ”رعا الله ايام زمان كنا نلعب بأشياء بسيطة اغلبها من صنع ايدينا، احتفظت بعروسة صغيرة جميلة (دمية) اهدتها لي امي وظلت معي الى أن تزوجت ، لازلت اتذكر شعرها الأشقر وكيف كنت سعيدة وانا اقوم بتسريحه”.
بعض العاب الأطفال القديمة تكسبهم لياقة بدنية فهي تعتمد على الجري والقفز والخفة والحركة ، ومن ذلك لعبة البنات ”القفز على الحبل”.
لعبة اخرى جماعية اسمها ”شجرة نملة حركة صنم” وهي مجموعة من الأوامر تعطى للأطفال وتنظم اللعبة، فالشجرة تعني ان عليهم الوقوف والنملة اشارة للجلوس، وعند قول ”حركة” سيبدأون بالحركة والرقص اما ”صنم” فيعني ان عليهم التوقف في نفس اللحظة ، كل طفل سيكون في وضعية توقف مختلفة عن الآخر ومن يستطيع الحفاظ على ثباته دون اي حركة اطول وقت ممكن يكون هو الفائز، يقوم الأطفال في هذه اللعبة بتمارين رياضية دون قصد.
العاب موسمية
في شهر رمضان، اعتاد الأطفال في عدة مناطق من اليمن على العاب خاصة بهذا الشهر، لا تجدها طيلة ايام السنة، من تلك الألعاب ”لعبة الحفص” وهي النواة التي تستخرج من داخل حبة التمر، يجمعها الأطفال، ثم يتنافسون حول من يحصل على اكبر عدد منها، حيث توضع حبات الحفص فوق بعضها على شكل بناء، ثم يتناوبون على رميها بالحجر من مكان بعيد، ومن يصيبها يكسبها، يقول سعيد (34 عاما) لريفلكشن عربي : ”كان الأطفال البارعون في هذه اللعبة يعودون الى منازلهم نهاية اليوم محملين بكمية كبيرة من نواة التمر منتشيين بالنصر، في الحقيقة لم نكن نشعر بجوع او عطش ونحن صائمين”.
من الالعاب التي ارتبطت بشهر رمضان ايضا، لعبة البطة الورقية (الكوتشينة) ولعبة الكيرم، وهي تناسب الصغار والكبار وما تزال تمارس الى اليوم.
وفي أعياد الفطر والأضحى، يجد الأطفال فرصتهم في اللعب، يجتمع الأحفاد الصغار مع عائلاتهم في منزل الجد، يلهون سويا والسعادة تغمرهم، لا تشغلهم الهواتف الذكية، ولا تأخذ من وقتهم كما هو اليوم، يستذكرون معا من فاز على الآخر السنة الماضية في هذه اللعبة او تلك.
انتشرت العاب الأطفال في الأرياف والقرى اليمنية بشكل أكبر من المدن والمناطق الحضرية، فقد كانت بالنسبة للأطفال بديلا مناسبا للمنتزهات والحدائق العامة.
جيل البوبجي ولعبة الغميضة
هذا الجيل كما تصفه رشا (25 عام) هو جيل البوبجي بامتياز، في اشارة الى لعبة البوبجي المعروفة على الانترنت، تعبر رشا لريفلكشن عن سعادتها لانها كانت محظوظة جدا ، فقد لحقت ببعض العاب الأطفال ايام زمان ، قبل ان تختفي، تقول ”انها تتذكر واحدة من الألعاب المسلية التي كان الأولاد والبنات يتشاركون فيها، هي لعبة ”الغميضة” او التخفي، وفيها يقف احد الاطفال ووجه الى الجدار مغمض العينيين ينادي على بقية الأطفال ” غاب الغراب ولا عاده” وهم يردون ”عاده” ثم يكرر ذلك الى ان يصمتوا حينها يعرف ان الجميع قد اخذ مكانه واختبأ وعليه ايجادهم واحدا واحدا بشرط حماية المكان الذي كان واقفا فيه بحيث لايأتي احد الأطفال المشاركين في اللعبة ويلمس بيده الجدار او الحجر المحدد.
بعض الألعاب تتطلب مهارات خاصة، فلعبة ”الأرطال” مثلا تجيدها البنات ويفشل فيها الأولاد، هي عبارة عن خمسة احجار صغيرة الحجم، كروية الشكل، تتلاعب بها الفتاة بيد واحدة ، تلقي بواحدة منها في الهواء وتأخذ الأخرى من الأرض وهي لعبة تشبه بعض الشيء حركة التلاعب بالكرات التي نشاهدها في عروض السرك.
مقارنة بألعاب زمان، تلحق ألعاب هذا الجيل بالأطفال اضرارا صحية ونفسية وسلوكية، لا تبدأ بالتأثير السلبي على العين ولا تنتهي عند اكسابهم سلوكا عدوانيا.
No Result
View All Result