لدى أهل اليمن كثير من العادات القديمة التي لا زالت مستمرة حتى اليوم، منها عادة إطلاق الألقاب على بعض أسماء العلم من الذكور، وفي كثير من الحالات يشتهر ”فلان” من الناس بلقبه أكثر من اسمه. حيث تحل الألقاب محل الكنى وتطلق على الكبار والصغار، بل وتطغى أحياناً على أسماء الشخوص الأصلية.
لكل اسم لقب، ولكل لقب اختصار معروف ومشهور. فمثلا يأتي لقب ”العزي” كأحد أكثر الألقاب انتشاراً وتداولاً في اليمن، وهو اللقب الخاص بـ”محمد”.
لا يقصد بالألقاب هنا، اسم العائلة ولا تلك التي تأتي بمعنى الـ”تنابز” أو الانتقاص من الآخر بالإشارة إلى مشكلة اجتماعية أو خلقية لديه، بل هي ألفاظ يستحسن الناس سماعها ويتناقلونها باحترام، وأقرب ما تكون إلى الصفات، البعض يراها تسميات شعبية ذات قيمة جمالية، وهناك من يعتبر أنها تحمل شيئاً من التمييز والمفاضلة. فمن أين جاءت تلك الألقاب؟ وما هي أصولها؟
أصول الألقاب واختصارها
محمد: ولقبه العزّي وأصل هذا اللقب “عز الدين” وقد شاع الاختصار واشتهر حتى اختفى الأصل.
علي: أصل اللقب “جمال الدين” واختصاره “الجمالي”، ويلقب كل علي في اليمن بـ”الجمالي”.
عبد الرحمن وعبد العظيم: وكل اسم يبدأ بـ”عبد”، أصل اللقب “وجيه الدين” ويُختصر إلى “الوجيه”.
أحمد: أصل اللقب هو “صفي الدين”، ويطلق عليه لقب “الصفي” اختصاراً.
عبد الله: اللقب الأصلي هو “فخر الدين” واختصاره “الفخري”.
يحيى: لقبه “عماد الدين” واختصاره “العماد”.
يوسف: لقبه “نجم الدين” ويختصر فيطلق عليه “النجم”.
أبو بكر: من يحمل هذا الإسم يلقب بـ”رضي الدين” ويختصر إلى “الرضي”.
عمر: يلقب بـ”شجاع الدين” واختصاره “الشجاع”.
الحسن والحسين: يلقب صاحب أي من هاذين الاسمين بـ”شرف الدين”، والاختصار “الشرفي”.
قاسم واسماعيل: يلقب صاحب أي من هاذين الاسمين بـ”علم الدين”، والإختصار ”العلم”.
كل محمد لقبه العزّي، وكل علي لقبه الجمالي، وكل اسم يبدأ بـ”عبد” مثل عبد الرحمن لقبه الوجيه
وهناك ألقاب لا تختصر، مثل إبراهيم ولقبه “صارم الدين” ومحسن يلقب بـ”حسام الدين” ولا يختصر. كما يطلق لقب “ضياء الدين” واختصارها “الضياء” على كثير من الأسماء غير المذكورة سابقاً.
قبل 500 سنة
قابلنا أحد سكان صنعاء القديمة من كبار السن، وهو إمام مسجد قديم هناك، أكد بأن هذه الألقاب موجودة في اليمن منذ 400 إلى 500 سنة.
يقول لرصيف22 إن الألقاب كانت عادة أهل صنعاء، ثم انتشرت في مناطق كثيرة من اليمن، وكان الناس يستخدمونها فيما بينهم بقصد الاحترام المتبادل والتقدير، خاصة إذا كان الشخص المقصود، عالماً أو فقيهاً. كذلك ارتبطت هذه الألقاب قديماً بالأدباء اليمنيين.
في كتاب اسمه ”الطريق إلى الحرية” والذي تضمن مذكرات العزي صالح السنيدار وهو شخصية يمنية نضالية مشهورة، أشار ناشر هذه المذكرات علي الواسعي إلى ألقاب الأسماء، وقال إنها كانت تطلق من باب التكريم والتقدير.
للتضخيم والتفخيم
يقول منير طلال وهو كاتب مسرحي وروائي يمني، إن الألقاب المستخدمة في اليمن لبعض الأسماء هي من ألفاظ التضخيم والتفخيم، وأن ولادتها أو ظهورها الأول كانت في فترات مبكرة خلال عصر الدولة الإسلامية.
ويشير في حديثه لرصيف22 إلى أن هذه الألقاب في البداية ظلت محصورة ولحقب زمنية معينة على فئة السادة والقضاة، ثم انتشرت بين الناس، وبحسبه فهناك ألقاب فيها الكثير من التفخيم والتعظيم للآخر ، كانت تستخدم قديماً في اليمن في المراسلات التجارية.
ويذكر بأن الخلفاء العباسيين والفاطميين والأمويين، وحكام الأندلس وحتى العثمانيين كانوا يضعون لأنفسهم ألقاباً مفخمة، من قبيل ”المعتمد”، “المتوكل”، “المعتصم”، “الرشيد”، “الآمر بحكم الله”، “الحاكم بأمر الله”، “الموفق بالله” إلى آخره.. وفي فترات لاحقة ظهرت ألقاب للقادة والوزراء ثم الأشخاص الأقل شأناً منهم.
تحدث الدكتور زكريا الدهوة، باحث في الأسماء والنقوش اليمنية القديمة، يقول: لرصيف22: “هذه الألقاب المتدوالة لبعض الأسماء مثل العزي والفخري، ربما ارتبطت بأسماء شخصيات مشهورة في اليمن في وقت سابق، لم تأت هكذا اعتباطاً”.
مرجحاً أن تكون صفات لشخصيات يمنية اشتهرت قديماً قد تكون دينية أو سياسية. يعارضه الدكتور محمد سبأ ، الذي يرى أن هذه الألقاب عبارة عن تسميات شعبية بالأساس.
يرى بعض الدارسين أن الألقاب ارتبطت بشخصيات مشهورة، بينما يرى آخرون أنها تسميات شعبية بالأساس
للاختصار لدى المناداة
في صنعاء القديمة يكثر استخدام هذه الألقاب عند المناداة، فينادى محمد ”يا عزي” وينادى علي ”يا جمالي” وهكذا مع بقية الأسماء، لكن استخدامها اليوم أقل مما كان عليه في السابق.
نجيب علي، مواطن من محافظة إب (وسط البلد) يقول لرصيف22 إن هذه الألقاب استخدمت منذ زمن للاختصار عند المناداة، فكان لكل اسم لقب خاص به، ولقب واحد هو ”الضياء” لبقية الأسماء التي ليس لها لقب.
ويري بأن انتشار هذه الألقاب كان في الأغلب في المناطق الشمالية لليمن، وأنها غير متداولة في المناطق الجنوبية، فبعض هذه الألقاب تشتهر في مناطق وبعضها الآخر في مناطق أخرى وهكذا.
كما استخدمت هذه الألقاب عند كتابة المذكرات أو المهام اليومية للاختصار، تقول ندى عبد الله: ”كان لدى والدي أعمال مع كثير من الناس، وكان عندما يكتب أو يدوّن ما قام به في يومه يستخدم هذه الألقاب بدلاً عن الأسماء، فكنت أشاهد أبي يكتب الأسماء بالألقاب هكذا.. (العزي، الجمالي..) وكنت أظنها ألقاب عائلات وليست أسماء اشخاص”.
الكنى عند العرب
إلى جانب هذه الألقاب الرائجة، تستخدم في اليمن أيضاً كنى الأسماء مثل ”أبو محمد”، “أبو عبدالله” لكننا نلحظ انتشارها بشكل أكبر في الدول الخليجية وبلاد الشام والعراق، جميع هذه الأسماء أو الألقاب والكنى لا يجب فهمها إلا من خلال سياقاتها الثقافية والاجتماعية والدينية في البلدان العربية بما فيها منطقة الخليج، وفق أستاذ علم الاجتماع البحريني الدكتور باقر النجار.
يقول في مقالة سابقة عنونها بـ”الأسماء والألقاب ومدلولاتها” إن معظم الأسماء في اللغة العربية وفي حالات الثقافة المحلية تحمل كنيتها. فمثلاً يكنى أحمد بأبي يوسف، وسلمان بأبي داوود، وعيسى بأبي عبد الله، ومحمد بأبي جاسم.
يقول: ”تجمع بعض الأسماء ما بين سياق الثقافة الدينية وسياق الثقافة المحلية أو السياقات التاريخية، حيث ترتبط كنى بعض الأشخاص بكنيات لشخصيات دينية أو إسلامية معروفة فكل سلمان أو سليمان لدينا هو أبو داود تيمنا بالنبي سليمان أبو داود عليه السلام، كما أن كل علي لدينا هو أبو حسين كنية بالإمام علي أبو الحسن والحسين، ولذلك فإن كل إبراهيم هو أبو خليل نسبة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام. وكل مريم هي أم عيسى تيمنا بنبينا عيسى عليه السلام”.
المصدر: رصيف22