يرتبط حلول شهر رمضان في كل عام ببعض المصطلحات والمأكولات والعادات التي يكفي ذكرها لاستعادة الكثير من الذكريات والطقوس الرمضانية المبهجة.
في هذا الجزء منرتقرير لرصيف22 ، ضوء على أصل تسمية 4 أشياء ارتبطت بـ”شهر الصوم”، وتقف خلف بعضها أصول غير عربية وقصص مثيرة.
1- رمضان
كلمة “رمضان” مشتقة من الجذر “ر م ض”، وهناك عدة تفسيرات لأصل التسمية أبرزها:
أن كلمة رمضان مأخوذة من الرَّمَضُ وهو في اللغة العربية الفصيحة شدّة الحَرّ. لذا تُسمى الحجارة المحماة بحرارة الشمس الشديدة “الرمضاء”.
أثر الشمس وشدّة الحرارة على الحجارة والرمل بـ”الرمضاء”. ويقال “رَمضت الغنم” أي “قرحت أكبادها لرعيها في الحَرّ الشديد”. وقيل عن “حُرقة الغيظ” مجازاً “الرَّمَض” – فلان أرمَضه الأمر، أي أغاظه وأوجعه. على نفس المنوال، وُصِفَ كل شيء حادٍّ بأنه “رَميض” – سكين رميض ونصل رميض.
أما الصائم، فيرمَض في شهر “رمضان” ويصيب الحَرُّ جوفه من شدّة العطش، وهو أحد أكثر التفسيرات ترجيحاً ورواجاً.
قيل أيضاً إن العرب كانوا يسمون الشهور بالأَزمنة وأحوال الطقس فيها، فسمّوا موسم الندى والمطر “ربيع”، وسمّوا من واكب رَمَضِ الحرّ وشدّته أيامه “رمضان”. وهو تفسير رائج أيضاً.
قيل كذلك إن العرب كانوا “يرمضون” أسلحتهم في هذا الشهر (يدقونها ويشحذونها بين الحجارة) تأهباً للحرب في شوال قبل حلول الأشهر الحرم.
قيل أيضاً إن القلوب تتأثر فيه بحرارة الموعظة والتفكير في الآخرة كما يتأثر الرمل والحجارة بحرارة الشمس.
قيل أيضاً إن “رمضان” مشتقة من “الرمض” أو المطر الذي يأتي قبل الخريف فيجد الأرض حارة محترقة.
ورد في أحد التفسيرات أن “رمضان” هو اسم من أسماء الله. لكن لا دليل موثوقاً به على هذا الزعم.
ورمضان هو تاسع أشهر التقويم الهجري، ويرتبط بعبادة الصوم أحد أركان الإسلام الخمسة.
2- الفانوس
جذر الكلمة هو “فَنَسَ” ويعني في اللغة العربية “نَمَّ ووَشَى”. سُمّيَ الفانوس بهذا الاسم لأنه بإضاءته ينمّ عن صاحبه ويشي به وسط الظلام.
المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أن الفانوس كان يوجد في مصر من قبل دخول الإسلام، وكان مرتبطاً باحتفالات أقباط مصر بعيد الميلاد. وهناك عدة روايات لارتباطه بشهر الصوم لدى المسلمين، بينها:
يقال إن القاهريين صنعوا فوانيس (مصابيح) لإنارة الطريق بينما كانوا ينتظرون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلة الخامس من رمضان عام 358 هجرياً، ومنها تحوّلت إنارة الفوانيس في ليالي رمضان إلى طقس.
يقال إن أسر وعائلات القاهرة اعتادت أن تحمل “الفوانيس” وهي تغني احتفالاً بقدوم شهر الصوم خلال مرافقتها الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في رحلته عبر المدينة إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان.
يقال إن الخليفة الحاكم بأمر الله كان قد حرّم خروج النساء من منازلهن طوال العام، عدا شهر رمضان على أن يقود غلام يحمل فانوساً أي امرأة أو مجموعة من النساء تغادر منزلها إلى المسجد حتى ينتبه الرجال ويفسحوا لهن الطريق.
ومن المرجّح أن “الفانوس” كتقليد مرتبط برمضان ازدهر في العصر الفاطمي وانتقل من مصر إلى عدد من الدول العربية والإسلامية.
3- سمبوسة/ سمبوسك
هناك دائماً حيرة وتساؤل حول النطق/ التسمية الصحيحة لهذه الأكلة التي تحضر كأحد أشهر المقبلات الرمضانية على الموائد العربية.
تُطلق هذه التسمية على الطعام الذي يُصنع من عجين يُطوَى على شكل مثلَّث ويُحشَى بالجبن أو اللحم ونحوهما. وأغلب الظن أنها أكلة فارسية وحين انتقلت إلى بلاد العرب، قلبوا النون ميماً، لأن اللسان العربي يقلب النون الساكنة ميماً إذا تلتها باء، كما يقولون “جَمْب” عندما يقصدون “جَنْب”، و”مِمْبَر” عندما يقصدون “مِنْبَر” وفق حساب “نحو وصرف”.
“أما حرف ‘گ‘ الفارسي فهو في منزلة بين الجيم القاهرية (غير المعطَّشة التي تشبه في نطقها حرف G الإنجليزي) والغين العربية، لهذا عرّبها بعضهم بالكاف كعادتهم مع حرف G الإنجليزي فقال ‘سمبوسك‘، وبعضهم بالجيم القاهرية غير المعطشة فقال ‘سمبوسج‘. وبعضهم رآها مخففة بين الحرفين فنطقها هاءً فقال ‘سمبوسهْ‘ بالبناء على السكون، وبعضهم رأى الهاء تأنيثاً فنطقها ‘سمبوسة‘” وفق المصدر ذاته.
وبحسب “نحو وصرف”، فإن كل هذه التسميات “صواب، لأنها كلها تعريبات لكلمة أجنبية”.
وهناك تأويل آخر لأصل الكلمة في الفارسية إذ قيل إن أصلها مكون من شقين هما: “سه” وتشير إلى الرقم ثلاثة، و”بوسته” وتعني القشرة ويقصد منها ترقيق العجين. ويقصد بالشقين معاً ترقيق العجين لصنع مثلثات محشوة. علماً بأن النطق الدقيق لها وفق هذا التفسير بالعربية هو “سنبوسج وسنبوسق”.
وأشار ابن بطوطة إلى “السمبوسة/ ك” في إطار حديثه عن رحلته في الهند كطعام صغير يصنع من العجين واللحم المدقوق واللوز والجوز والبصل والبهارات الحارة. علماً بأن أقدم ذكر لها هو في كتاب تاريخ البيهقي (1035 – 1045) كطعام في خراسان التي يُرجح أنها انتقلت منها عبر التجّار إلى الهند ثم بقية مناطق العالم.
“الفانوس” من الجذر “فَنَسَ” ويعني في اللغة العربية “نَمَّ ووَشَى”. وقد سُمّيَ بهذا الاسم لأنه بإضاءته ينمّ عن صاحبه ويشي به وسط الظلام. لكن كيف ارتبط الفانوس بشهر رمضان؟
4- كنافة
من الشائع أن كلمة “كنافة” مشتقة من إحدى الكلمات الشركسية، وهي “تشنافة”، المكونة من مقطعين هما: “تشنا” وتعني البلبل، و”فه” تعني لون، وبجمعهما معاً يكون القصد “لون البلبل”. وهناك تأويل آخر باعتبارها كلمة يونانية الأصل.
لكن أصواتاً عديدة تقول إن “كنافة” هي كلمة عربية من الجذر “ك ن ف”، والكنف في اللغة العربية هو جانب الشيء أو ظله. وكنف الله يقصد به “رحمته وستره وحفظه”، وكنف الطائر جناحه. و”الكنفاني” هو “صانع الكنافة وبائعها”.
والكنافة في المعجم الوسيط هي “حلوى تتخذ من عجين الحنطة، يجعل على شكل خيوط دقيقة، ويتم إنضاجها بالسمن في التنور أو نحوه ثم يُضاف إليها السكر المعقد، وأكثر ما تؤكل في شهر رمضان”.
وبحسب الأديب السعودي الراحل أحمد عبد الغفور عطار، فإن من أكل الكنافة “خفّ ظله وعذب منطقه وكثر بهاؤه وربا لحمه وصفا شحمه وزال سقمه” إذا اعتدل في أكلها.
وتختلف الروايات كذلك في أصل الكنافة. فيقال إنها أول ما ظهرت كان في عهد الفاطميين، إذ قُدِّمت للخليفة معاوية بن أبي سفيان، حين كان والياً للشام كوجبة سحور لتمنع عنه الجوع. في رواية أخرى، قيل إنها ظهرت في عهد الخلافة الأموية إذ ابتكرها طباخ الخليفة سليمان بن عبدالملك.
المصدر: رصيف22