قضت محكمة يمنية بإعدام قاتل الطفلة حنين البكري (6 سنوات) إثر “محاكمة ناجزة” استغرقت سبع جلسات وصدر الحكم بعد نحو شهر فقط من وقوع الجريمة، في حدث غير معتاد في جرائم قتل الأطفال والنساء المتكررة في البلد الذي أدمته الحرب الأهلية منذ عام 2014.
أمام قاعة المحكمة، احتفل أهالي مديرية المنصورة بمحافظة عدن بالحكم هاتفين “يحيا العدل” وتبادلوا القبلات والعناق. كما استقبل والد حنين التهاني أمام المحكمة ولاحقاً أمام منزله بينما وجه الشكر لكل من تضامن معهم حتى صدور الحكم العاجل.
وقال محامي أسرة حنين، عارف الحالمي، إن الحكم يمثّل “انتصاراً للشرع والقانون وأحكام القضاء والدولة المدنية” التي “تطبّق القانون على الجميع وتحقق الردع العام والقصاص الخاص من المجرم”، معتبراً أن القضية “أخذت حقها القانوني” من حيث الترافع والدفاع لكل الأطراف.
انتقام يغضب الرأي العام
وقعت الجريمة يوم 27 حزيران/ يونيو 2023، عشية عيد الأضحى إذ كان الجاني حسين محمد حسين هرهرة متجهاً لأحد المراكز التجارية حين صادف إبراهيم البكري، والد حنين، وحدث اصطدام بسيط بين سيارتيهما. فاتجه الأول على دراجة بخارية مسرعاً إلى منزله وأحضر سلاحه (سلاح آلي روسي) وعاد وأفرغ طلقاته في سيارة الأخير التي كانت مصطفة خارج المركز التجاري وفيها طفلتاه حنين وراوية.
“الرأي العام” و”ثقل أطراف القضية” و”تعاطف القاضي مع الضحية” عوامل لعبت دوراً مهماً في الحكم بإعدام قاتل الطفلة #حنين_البكري في #اليمن في غضون شهر تقريباً من وقوع الجريمة. وهي نفس العوامل التي تعرقل تحقيق العدالة لنساء وطفلات أخريات هناك. كيف؟
أسفر الحادث عن مقتل حنين ابنة الست سنوات، وإصابة شقيقتها فيما سلّم المجرم نفسه وسلاحه إلى الشرطة، متذرّعاً بأنه أراد “إتلاف السيارة فقط” بسبب نوبة الغضب ورغبته في الانتقام من والد حنين. لكن عدداً من شهود الإثبات قالوا إنهم صرخوا في الجاني ونبّهوه إلى وجود طفلتين في السيارة.
أشعلت الحادثة غضباً واسعاً وتحوّل العيد في عدن إلى مأتم كبير على إثرها، وهو ما استدعى محاكمة سريعة للقاتل امتدت على مدار سبع جلسات، استمعت المحكمة فيها لأقوال ثمانية شهود إثبات وأربعة شهود نفي. علماً أن الشهود من الطرفين أجمعوا على أن المتهم هو الشخص الوحيد الذي أطلق الرصاص على سيارة والد حنين.
وحظيت جلسات المحاكمة بحضور واسع داخل القاعة، من النساء والرجال على السواء، ورافقتها وقفات شارك فيها أطفال برفع لافتات تطلب العدالة لحنين. وساهم الإعلام المحلي في الضغط من أجل وقف نزيف الدماء بفعل التعصّب والعنجهية والرغبة في الانتقام.
وخلال جلسة النطق بالحكم، يوم 7 آب/ أغسطس 2023، قضت محكمة المنصورة الابتدائية بـ”إدانة حسين محمد حسين هرهرة بجريمة القتل العمد، ويعاقب عليها بالإعدام رمياً بالرصاص حتى الموت قصاصاً شرعياً لقتله عمداً وعدواناً نفساً معصومة الدم هي المجني عليها حنين إبراهيم سالم البكري”.
كما أدين المتهم بـ”الشروع في قتل المجني عليها راوية ابراهيم سالم البكري” وحكم عليه في هذه التهمة “بالحبس ثلاث سنوات، حقاً عاماً، مع مراعاة تطبيق العقوبة الأشد”. وألزمته المحكمة أيضاً “بدفع مخاسير وأتعاب المحاماة مبلغ وقدره مليون ريال يمني تسلم لوالد المجني عليهما”. مع تنويه بحق جميع الأطراف في الاستئناف ضد الحكم في مدة أقصاها 15 يوماً من لحظة النطق به.
عوامل استثنائية تحكم “تطبيق العدالة”
وتعد المرأة اليمنية وأطفال اليمن من أكثر الفئات تضرراً من الحرب الأهلية المتواصلة منذ تسع سنوات. وحوادث القتل والعنف، سيّما داخل إطار العائلة، شائعة ويتم التعتيم عليها أو “التصالح” مع “ولي الدم” وسط ثقافة اجتماعية لا تُعلي من شأن المرأة أو الطفل/ة.
لعل هذا ما لفت الأنظار إلى حالة حنين والاهتمام الشعبي والإعلامي والقضائي بها والإصرار على أن ينال الجاني جزاءً عادلاً على الرغم من أنه – أي قاتل حنين حسين هرهرة – هو رجل أعمال من قبيلة ذات شأن ويقال إنه مقرب من المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي.
في هذا الصدد، توضح المحامية والناشطة الحقوقية اليمنية هدى الصراري لرصيف22 أن قضية حنين البكري لها “ظروف خاصة” دفعت إلى صعودها كـ”قضية رأي عام” بالنظر أولاً إلى “توقيت حدوثها الحرج، يوم الوقفة هذه المناسبة الدينية المهمة لدى المسلمين، والسبب ‘التافه جداً‘، والضحية في النهاية طفلة وشقيقتها كانت معرضة لنفس المصير”.
وتضيف الصراري أن تعمّد القاتل ترك سيارته وأخذ وسيلة مواصلات سريعة للذهاب لبيته وإحضار سلاحه، كما أظهرت تسجيلات الكاميرات التي شاهدتها المحكمة، عكست “إصرار وترصد ونيّة للإيذاء برغم أن الأب كان يصرخ فيه ‘بناتي داخل السيارة‘”. كون الحادثة “كانت مشهودة” والجاني “من خارج الأسرة” ساعدت أيضاً في عدم التسامح مع الجاني الذي تقول الصراري إنه “له سوابق جنائية في قضية قتل سابقة”.
عامل مؤثر آخر تشير إليه الحقوقية اليمنية وهو ثقل قبيلتيّ طرفي الحادثة. تشرح: “الجاني والمجني عليها من مدينة يافع. وقبيلتاهما لديهما سلطة ومسلحتان، وأكثر الأحزمة الأمنية من يافع وبالتالي كان هناك تخوّفاً من حدوث ‘هوشة‘ وحوادث قتل وثأر إذا ما تباطأ نظر القضية”. تؤكد أنه إذا كانت الضحية من بنات عدن وليست من قبيلة كان الأمر سيختلف.
تستدرك المحامية اليمنية بأن حوادث قتل الأطفال والنساء أو تعنيفهم، أو حوادث انتهاك حقوق الإنسان، عادةً ما تمر أو يتم التستر عليها بفضل الثغرات في التشريعات القانونية اليمنية هي التي يكون الجاني فيها هو “ولي أمر الضحية، أب أو أخ أو أم” حيث لا يُبت فيها بسرعة مقارنةً بالقضايا التي تكون فيها “شبهة جنائية بحتة”. ولا يوجد قانون يجرّم العنف الأسري في اليمن ولا نصوص تغلّظ العقوبة إذا كان الجاني من أولياء الضحية كما في قوانين دول عربية أخرى.
تضرب الصراري المثل بحادثة مقتل سميحة الأسدي على أيدي شقيقها داخل المحكمة حيث تنازل والدها “المحرّض على القتل” عن “حق الدم” لاحقاً وخرج القاتل دون عقاب. وأيضاً قضية تعذيب ومقتل الطفلة إصباح على أيدي أشقائها الثلاثة بتحريض من والدهم الذي تنازل لاحقاً عن حقّها في القصاص وخرج القتلة دون عقاب.
وتشدد الصراري على أن هذا الإفلات من العقاب، وضعف آليات الحماية للنساء والأطفال والفئات الأشد هشاشة، يسهمان في تكرار هذه الحوادث بوتيرة كبيرة وبطرق وحشية. تقول إنه من بداية الحرب يتم رصد الوقائع المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني لأطراف النزاع فقط دون أي توثيق لحوادث العنف الأخرى بما فيها العنف الأسري.
برغم بشاعة حادثة مقتل الشابة فاطمة محمد عمر طعناً بأيدي زميلها في العمل في منطقة المنصورة حيث قُتلت #حنين_البكري، وإصرار أهل الضحية على أخذ حقها، إلا أن “المنظور اختلف” وهناك محاولات للادعاء بأن القاتل “مريض نفسي”. لماذا؟
هل تمثل محاكمة قاتل حنين انفراجة؟
المحامية الصراري تشك في أن هذه الحادثة يمكن اعتبارها بداية لتعامل أكثر حسماً مع حوادث الاعتداء على الأطفال والنساء وقتلهم.
تضرب هنا مثالاً بحادثة مقتل الشابة فاطمة محمد عمر (23 عاماً) العاملة في أحد المراكز التجارية التي قتلها زميلها بثلاث طعنات مميتة في العين والوجه والصدر لأنها رفضت الزواج منه.
توضح الصراري: “من الآن، وقبل إحالة القضية للمحكمة، يتم الترويج لأن القاتل مريض نفسي وإلقاء اللوم نسبياً على المغدورة لأنها رفضته بينما أحبها هو وقرّر ألا تكون لغيره”، مردفةً بأن أهل فاطمة يحاولون كسب زخم شعب للقضية وجعلها قضية رأي عام تخوفاً منهم من “تسويف الإجراءات” و”منح عذر مخفف للقاتل بأنه مريض نفسي أو كان يحبها”.
تلفت الصراري إلى أنه برغم بشاعة الحادثة التي وقعت في نفس منطقة قتل حنين، المنصورة بعدن، وإصرار أهل الضحية على أخذ حقها، إلا أن “المنظور اختلف”، مبررةً اختلاف التعامل القانوني مع هكذا حوادث باختلاف الحيثيات والملابسات بما فيها “تجاوب الرأي العام، الإعلام وأدوات الضغط، وقاضي المحكمة وسلطته في النظر للقضية ومدى تعاطفه مع الضحية وذويها، وأطراف القضية وثقلهم”.
بالتزامن مع جلسة النطق بالحكم في قضية حنين، نُظّمت وقفة نسائية احتجاجية للمطالبة بسرعة بدء المحاكمة في قضية فاطمة. وتواترت أنباء عن إحالة القضية إلى النيابة العامة تمهيداً لإحالتها للمحكمة قريباً.
علاوة على ذلك، تنبّه الصراري إلى أن قضية حنين لم تغلق تماماً بعد ولا يمكن القول إن العدالة تحققت لها إذ أن “هذا حكم ابتدائي، ومحامي الجاني قد يقدم دفوع أو أمور قد تستجد في القضية، والجاني شخصية بارزة في قبيلته، وقد يحدث تدخّل ويتم الصلح. لا يمكن أن نقول أن هذه القضية أُنجزت إلا بتنفيذ حكم القصاص”.
يشار إلى أن محامي المتهم استأنف على حكم الإعدام فور النطق به. علماً أن لديه مرحلة ثانية للطعن على الحكم أمام المحكمة العليا في حال أيّدت محكمة الاستئناف قرار محكمة أول درجة. كما يتوّجب انتظار مصادقة رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه قبل تنفيذ الحكم.
إلى ذلك، يمنّي البعض النفس بأن القبض على قاتل حنين وسرعة محاكمته، والقبض على قاتل فاطمة، مؤشران على أن “زمن الانفلات الأمني قد ولّى”.