سؤال يستوقف كل من يقرأ في ما آلت إليه أمور حركة المقاومة الإسلامية حماس، وما آلت إليه الأحداث في المنطقة العربية وتأثيره عليها، فالمشاهد البسيط يعلم أن المنطقة انقسمت فكريا كما هي مقسمة جغرافيا وكما هي بؤرة للصراعات منذ أمد. في ظل غياب الأيدلوجية العربية القومية أو حتى الأيدلوجية الإسلامية التي سادت في مدة سميت بالصحوة الإسلامية، وجدت إيران لنفسها مكانا في المنطقة لتزاحم هي أيضا وتصدر ثورتها ذات المرجعية الشيعية، فأذرعها في لبنان والعراق وسوريا واليمن خير شاهد على ذلك.
لكن ما يثير الجدل العَلاقة بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية حماس ليتساءل الجميع هل الغاية تبرر الوسيلة؟ هل خلعت حماس ثوب مقاومة الصهاينة على نهج الإخوان المسلمين ذات المرجعية السنية لتلبس عمائم إيران الثورية ذات المرجعية الشيعية؟ أم أنها المكر والخديعة؟ هل غاية حماس في اقتلاع المحتل الجاثم على صدر الأمة منذ أكثر من سبعين عاما يبرر لها تقاربها مع إيران؟ أو ربما هي الضرورات التي أباحت هذا التقارب مع إيران بالرغْم مما قامت به إيران من جرائم في المنطقة العربية؟
لطالما كانت حماس منذ تأسيسها أمل الأمة الجاثية تحت وطئت الحكومات التي لا يختلف عربي في عمالتها أو على أقل تقدير العاجزة عن إعادة العزة للأمة، فالعقل العربي بمختلف أطيافه يبحث عمن يعيد له أمجاد الأمة وعزها ويخلع عنها ثوب الهوان والتبعية للغرب، ولأن القضية الفلسطينية كانت أولى القضايا وتحتل الصدارة في العقل الجمعي العربي بمختلف توجهاته، والصهاينة هم أعداء الأمة الذين لا يختلف في كرههم إلا من شذ عن العقل الجمعي العربي الذي تربى على كره الصهيونية وحب فلسطين.
كانت لحماس المكانة الأبرز لحملها السلاح ضد الصهيونية من أعوام طوال، ولقادتها المكانة المرموقة في عقول الشعوب العربية، كخط الدفاع الأول عن الأمة الإسلامية كلها والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وتاريخها الحافل بقيادتها البارزة سواء القيادات السياسية أو حتى العسكرية. فلطالما تغنى العرب ببطولات قيادات كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، حماة القضية والعزة الإسلامية العربية. فمن يذود عن الأقصى بقوة ولا يداهن الصهيونية يبقى هو الأمل الباقي لهذه الأمة بعودة أمجاد الماضي التليد.
ويحسب لحماس منذ تأسيسها على يد الشيخ أحمد ياسين مواقف كثيرة جعلتها دون عن غيرها من الفصائل المقاومة الأكثر شعبية وقبولا في المنطقة العربية كلها ومحبة كل محب للقضية الفلسطينية، فقد كانت حماس في العقل الشعبي العربي حركة مقاومة مسلحة تذود عن مسجدهم الأقصى، لا حركة سياسية تمضي في أروقة الغرف السياسية، وقد كفرت الشعوب العربية بالسياسيين ومن يقتات من السياسة وآمنت بالمقاومة لعودة العزة.
بالرغْم من هذا حين أعلنت حماس عام 2005 م عزمها دخول الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفوزها بالأغلبية عام 2006 م لم يؤثر هذا في رأي الشعوب العربية لها، هذه الانتخابات أدخلت حماس في مواجهة مع من يقتات من غرف السياسة وفي صراع مع حركة فتح التي لطالما كانت على رأس هرم السلطة الفلسطينية، هذا جعل من حماس تدخل في مربع الجدل والاتهامات ومن غرف السياسة توالت الأحداث لها حينا وعليها أحيانا.
ثم أن الأحداث في المنطقة العربية وتفجر ما يسمى الربيع العربي 2011 م أحدث فارقا في المنطقة العربية كلها، وما حماس إلا جزء من أمة عربية إسلامية. لتجد نفسها تنحاز للثورات كبارقة أمل تتمسك بها المقاومة على أمل أن يثور المجتمع العربي كله ضد الصهاينة كما ثار البعض ضد حكوماتهم، وتنحاز حماس لمرجعيتها السنية فترفض تأييد حليف إيران بشار الأسد في سوريا، وتدعم الحرب ضد الحوثيين في اليمن 2015 م وتجد حماس في فوز الرئيس محمد مرسي في مصر بوابة لعهد جديد وخير داعم كان سيغنيها عن إيران والمرجعية الشيعية لو استمر.
لكن الانقلاب ضد الإخوان المسلمون في مصر، واشتداد الحصار ضد حماس وغيرها من الأحداث السياسية من سقوط للبشير وتطبيع بعض البلدان العربية مع إسرائيل وتزايد نفوذ إيران في المنطقة وقوتها اضطرت حماس إلى العودة لأحضان إيران وأذرعها. ليتساءل العربي إن كانت حماس مضطرة لموالاة إيران لما اختارت هذه الطريقة الفجة التي أثارت حفيظة كل المتضررين من نفوذ إيران في المنطقة؟
فإن كان ولا بد من هذه العَلاقة فلتكن كما كانت عَلاقة متكافئة لا عَلاقة تملي فيها إيران شروطها لحماس فتجد قيادات حماس نفسها تقول عن قاتل مئات السنة في العراق (قاسم سليماني) أنه شهيد القدس، وتعتذر لقاتل الآلاف من السوريين (بشار الأسد). فكما أن الضرورات تبيح المحظورات فأيضا تموت الحرة ولا تأكل من ثدييها.
ويبقى الجدل قائما بين من يصطف مع حماس قلبا وقالبا ليرى هذا التقارب ضرورة للصمود والبقاء في وجه العدو الأكبر في المنطقة ويُبيح لها ما قد يفقدها من شعبية وجمهور عدده ليس قليل من الجماهير العربية المحبة. ومن يرى أن كل ما جرى ويجري لحماس لا يبيح لها تأييد سياسة إيران وتغيير بوصلتها من اتجاه الإخوان المسلمين السنة إلى اتجاه إيران ومحور ممانعتها الشيعي.
لتنادي بعض الأصوات حماس بمراجعة سياستها مع إيران مؤملة أن تعيد حماس بوصلتها نحو الاتجاه الصحيح مرة أخرى، فدماء المسلمون متكافئه وقضية فلسطين إحدى قضايا المنطقة ولن تنصر على حساب بقية القضايا العادلة.