بلا أهل، ولا أصدقاء؛ يستنزف عبدالرزاق العزعزي “38 عامًا” سنواته التي لم يتبقَ منها الكثير. يعيش في الكويت: كجسد بلا روح، وفي منزل عرضه 8 أمتار وطوله 4، بالكاد يستوعب مشاغبة طفليه التوأم إيفان ولاثينا “ثلاث سنوات” واختهما ريفا “8 سنوات”.
أنجبت زوجته الأطفال في الكويت ولم يكن أحدًا بجوارها، فقط عبدالرزاق الذي تعلّم في يوتيوب كيف يعتني بها أثناء الحمل والولادة، وبأطفالها الرضّع حين يُسقطها الإعياء.
السابعة صباحًا؛ يرتدي ملابسه بخفة؛ حتى لا يوقظ أحد، بهدوء يغادر المنزل الضيق، متوجهًا إلى العمل، يشتري تذاكر الباص، يجلس في الكرسي الأخير، يعصب على عينيه؛ لينام مسافة الطريق البالغة ساعتين يقضيهما في المواصلات.
من الجهراء إلى حولّي مرورًا بالعاصمة، هي المسافة التي يقطعها يوميًا والمقدرة بـ45 كم، يتخللها السير على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة. لا يستطيع شراء سيارة بسبب دخله المتدني الذي دفعه للسكن بعيدًا.
في التاسعة يصل إلى العمل: هناك شكاوٍ تنتظره؛ ليستمع إليها، وانتهاكات لرصدها. يعمل لدى منظمة حقوقية تقدم استشارات لضحايا الانتهاكات، ومع أن قلبه مثقلًا بالمُعاناة، يحاول تجاوز ذلك حين يتعلّق الأمر بمساعدة المظلومين.
في رحلة العودة إلى المنزل، يتحدث مع أهله وأصدقائه الذين يشتاق إليهم ولا يستطيع زيارتهم بسبب نشاطه المتصل بالحريات الدينية. “تركت جسدي في اليمن منذ 26 مايو 2015 لكن روحي ما تزال معلقة هناك” يقول عبدالرزاق.
في 16 أغسطس 2015 دفعته الحرب للاحتفال بعرسه وحيدًا في السودان؛ البلد التي فر إليها قبل انتقاله إلى الكويت. لم يكن أحدًا بجواره سوى زوجته الحبيبة فاطمة صلاح التي ارتبط بها في اليمن قبل أن تشردها الحرب أيضًا، لتستقر رفقة أهلها في السودان. بدموع والدته، والأمنيات المكسورة لوالده هاشم العزعزي ؛ احتفل، ثم أنجب أطفاله الذين لم يلتقوا يومًا بأهل والديهم.
هكذا تغلغلت الحرب إلى أطفاله الفاقدين لعطف الجد، وحنان الجدة. لقد دفعوا ثمن الحرب مُبكرًا، ثمن هجرة والديهم الفارين من وطنهم، وذكريات طفولتهم المنقوشة على جدران الأزقة، ليصنعوا ذكريات جديدة، ممتلئة بالبؤس المستمر، والألم المتوارث؛ والحزن الذي لا يغيب.
المصدر/ The new humanitarian