الصراع الدامي في اليمن أودى بحياة الآلاف من المدنيين الأبرياء، ويعد أحد أبرز الماسي الانسانية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة بسبب خطابات الكراهية والتطرف التي تحرض على العنف ضد الآخر.
حيث شهدت هذه الفترة العديد من الحوادث المؤلمة والمؤسفة، ومن بين تلك الحوادث حادثة عام 2022 كانت هجوم جماعة الحوثيين على مسجد في محافظة مأرب، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة العديد من الآخرين.
تم تنفيذ هذا الهجوم بعد خطاب من أحد قادة الحوثيين ضد المواطنين السنة في المنطقة، حيث وصفهم بـ”المرتدين” وحرض على القتال ضدهم. هذا الخطاب أدى بشكل مباشر إلى الهجوم على المصلين في المسجد، الأمر الذي لاقى إدانة شديدة من المجتمع الدولي واعتبر جريمة حرب بسبب استهداف المدنيين.
مكافحة خطاب الكراهية:
في الوقت الراهن، أصبح خطاب الكراهية ضد الآخر ظاهرة مُقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والامن والاستقرار في اليمن.
فهو يعمل على تأجيج التوترات والصراعات، ويزرع بذور الكراهية والعداء بين أبناء المجتمع الواحد، كما أن خطاب الكراهية يؤدي إلى أعمال عنف وممارسات تمييزية ضد الآخر المختلف، مما يُضعف روح المواطنة والتسامح والتعايش السلمي.
فكما نرى اليوم في مختلف المنصات والوسائل الإعلامية، باتت المشاهد والتصريحات المُحرِّضة والمُعادية لفئات معينة من المجتمع أمرًا شائعًا ومُنتشرًا بشكل ملحوظ. وهذا الأمر يُثير قلقاً كبيراً حول مستقبل الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي في البلاد.
حيث و يتخذ خطاب الكراهية في اليمن أشكالاً متعددة، من التنميط السلبي إلى التحريض المباشر على العنف. هناك انقسامات طائفية وسياسية عميقة في المجتمع اليمني، وقد تفاقمت هذه الانقسامات في الآونة الأخيرة نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، وقد أدى هذا إلى انتشار خطاب الكراهية والتنمر على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي كما أدى إلى التحريض الطائفي والمناطقي ضد فئات معينة والإساءة والاستهزاء بالهويات والانتماءات الثقافية والدينية للآخرين و نشر الأراجيف والشائعات المُسيئة حول المكونات المختلفة للمجتمع وكذلك الدعوات الصريحة للعنف والتمييز ضد الأقليات والفئات المُهمّشة.
كما تعددت أسباب انتشار خطاب الكراهية في المجتمع اليمني، بسبب الجهل والتطرف الفكري والديني. والاستقطاب السياسي والطائفي والمناطقي. و ضعف البنية التشريعية والقانونية لمواجهة خطاب الكراهية. بالإضافة الى غياب ثقافة التعددية والتنوع والتسامح، و استغلال بعض الأطراف السياسية والإعلامية لخطاب الكراهية لتحقيق مكاسب ذاتية.
ولمواجهة خطاب الكراهية في المجتمع اليمني يتطلب ذلك جهوداً متكاملة على مختلف المستويات.
أولاً: يجب على القيادات السياسية والدينية في اليمن إدانة خطاب الكراهية بشكل قاطع وتبني خطابات تنادي بالوحدة الوطنية والتسامح والاحترام المتبادل.
ثانياً: يجب على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية أن تضطلع بدور رئيسي في توعية الناس بمخاطر خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التنوع والتعايش السلمي، كما يتعين على وسائل الإعلام اليمنية أن تلعب دوراً مسؤولاً في هذا الصدد، من خلال تجنب نشر المحتوى الذي يثير الكراهية والانقسام، والترويج لقيم التسامح والمواطنة المشتركة.
ثالثآ: تسليط الضوء على أسبابها وتقديم نماذج للحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة كما يجب العمل على معالجة الأسباب الكامنة وراء خطاب الكراهية، مثل الفقر والجهل والتطرف السياسي.
رابعاً:: التوعية بأضراره وآثاره السلبية على المجتمع و تشجيع الحوار والنقاش البناء حول القضايا الخلافية بين مختلف الأطراف.
خامساً: تسليط الضوء على قصص النجاح والتفاعل الإيجابي بين مختلف المكونات المجتمعية و إطلاق حملات وطنية واسعة لنبذ خطاب الكراهية والتحريض على العنف، والترويج لقيم التسامح والتعايش السلمي.
سادساً: يجب على المؤسسات التعليمية أن تعمل على غرس قيم التعددية الثقافية والاجتماعية منذ المراحل المبكرة من التعليم، وتطوير مناهج التعليم بما يعزز قيم المواطنة والانتماء الوطني المشترك، والتركيز على تاريخ اليمن وإنجازاته الحضارية.
سابعاً: تفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر رسالة السلام والوسطية، وتصحيح الفهم المغلوط للدين الذي قد يغذي التطرف والعنف و إنشاء مراكز ثقافية ومجتمعية تعنى بتنظيم أنشطة وفعاليات تعزز التواصل والتفاعل بين مختلف فئات المجتمع.
ثامناً: تشجيع وسائل الإعلام على اعتماد خطاب إيجابي بناء، يركز على قصص النجاح والتعايش السلمي، وينأى عن التحريض والتهويل وتبني برامج تأهيلية وإرشادية لضحايا النزاعات والحروب، بهدف مساعدتهم على التعافي نفسياً واجتماعياً.
تاسعاً: إشراك المرأة والشباب بشكل فاعل في مبادرات السلام والتنمية المجتمعية، باعتبارهم شريحتين حيويتين في بناء السلم الأهلي.
إن مواجهة خطاب الكراهية في اليمن لن تكون مهمة سهلة، وإن تضافر هذه الجهود سيسهم في ترسيخ ثقافة السلام والتسامح في المجتمع اليمني، وسيعزز من التماسك الاجتماعي وتجاوز آثار الحروب والنزاعات. وفي نهاية المطاف، سيكون لذلك انعكاسات إيجابية على استقرار البلاد وازدهارها.
وتحقيق السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية. فعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته في هذا الصدد، من أجل بناء مجتمع يسوده الاحترام والتفاهم المتبادل.
دور الشباب والنساء في بناء السلام:
يشكل الشباب والنساء قطاعات حيوية في المجتمع اليمني، ولهما دور بارز في تعزيز ثقافة السلام والمصالحة الوطنية.
فقد شهد المجتمع اليمني مبادرات وقصص نجاح ملهمة لشباب ونساء يعملون على تعزيز التماسك الاجتماعي ونبذ العنف ونشر قيم التسامح والتفاهم المتبادل. فعلى سبيل المثال،
قامت مجموعة من الناشطات الشابات بتنظيم حملات توعية حول أهمية التسامح والحوار ، كما اطلق شباب مبادرات لربط مختلف المكونات المجتمعية من خلال أنشطة ثقافية وتنموية مشتركة، مثال على ذلك:
– مبادرة “سلام” لشباب يمنيين من مختلف الخلفيات، والتي تهدف إلى نشر ثقافة السلام والحوار البناء في المجتمعات المحلية.
– مبادرة “شباب من أجل السلام” التي تنظم برامج تدريبية و حملات توعوية وأنشطة للتواصل بين مختلف الفئات المجتمعية لتعزيز التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية .
– مبادرة “نساء من أجل السلام ” الذي ينظم ورش عمل وحوارات بين نساء من مختلف المناطق لمناقشة قضايا السلام والمصالحة و التي بدورها تعزز دور المرأة في بناء السلم الاجتماعي. تسليط الضوء على هذه النماذج الملهمة، وتشجيع المزيد من المبادرات في هذا الاتجاه، يمكن أن يحفز الشباب والنساء على المشاركة الفاعلة في هذه الجهود، إن المشاركة والقيادة النسائية والشبابية في هذه الجهود تعكس دورهم الفعال في بناء ثقافة السلام.
القصص الإنسانية كمصدر إلهام:
في مقابل خطاب الكراهية، تزخر اليمن بالعديد من القصص الإنسانية التي تجسد أوجه التعاطف والتضامن والتعاون بين الناس في المجتمع اليمني، هذه القصص الفردية والجماعية تؤكد على ما يجمع الناس بدلاً من ما يفرقهم، وتعزز المشاعر الإيجابية والثقة المتبادلة و توضح أن الروابط الإنسانية المشتركة تتعالى على الانتماءات الطائفية أو السياسية.
كما تعزز ثقافة الحوار والنقاش البناء حول القضايا الخلافية، بما يسهم في تبادل الآراء وتطوير الفهم المشترك، ويمكن أن تكون هذه القصص مصدر إلهام لتعزيز ثقافة السلام والوحدة الوطنية؛ قصص من الميدان: نماذج إلهامية للعيش بسلام، ففي محافظة الحديدة، شكّل سكان قرية “السلام” نموذجاً للتعايش السلمي بين مختلف الأطراف على الرغم من الخلافات الطائفية والسياسية التي مزّقت المجتمع، إلا أن أهالي القرية تمكّنوا من تجاوز هذه الخلافات والعيش معاً بسلام وتناغم.
وفي محافظة تعز، شكّلت مبادرة “أطفال السلام” نموذجاً آخر للتضامن والتعاون بين مختلف المجموعات. جمعت هذه المبادرة أطفالاً من خلفيات طائفية وسياسية مختلفة في ورش عمل لتعزيز التفاهم المتبادل والتسامح.