ما بين الأمس القريب المسوم بالتوافق والتراحم و التجاور الطيب بين كافة مكونات المجتمع المغربي، رغم بساطة التكوين العلمي والمستوى المعرفي، و بين الحاضر”المتحضر” المتغلغل عنفا و اضطرابا، تعصبا يصل إلى حد التطرف، يحضر المكون اليهودي المغربي الذي عرف استقراره تجاذبات و انتقالات وصمت مراحل عدة من تاريخه.
جاءت موجات نزوح اليهود إلى المغرب منذ ما يزيد على 2500 سنة و غيره من الدول على دفعات، حيث كانت الهجرة الأولى في القرن الخامس قبل الميلاد بعد تحطيم المعبد، و المرحلة الثانية كانت في القرن الأول بعد الميلاد، وذلك بعد تحطيم المعبد أيضا ثم في القرن السابع من الميلاد كانت تيارات من المهاجرين قادمين من شبه الجزيرة الإيبرية نظرا لاضطهاد ملوك الفيزيغو لليهود في اسبانيا، لكن هذه الهجرة لم تكتس طابعا جماعيا واسعا، إلا خلال الموجة اللاحقة، سنة 1492 بفعل القرار المتخذ من الملوك الاسبانيين القاضي بطرد اليهود من اسبانيا و يقدر عدد المهاجرين حينها في أواخر القرن 15 ب 20.000 مهاجر، حطوا الرحال بالمغرب بعدة مدن كفاس ومراكش و صفرو و تازة و الصويرة و أكادير والرباط و غيرها، عاشوا إلى حدود بداية الحرب العالمية الثانية مع بداية نشأة دولة إسرائيل.
يتواجد ما يزيد على النصف من اليهود المغاربة المتبقين اليوم بمدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، حيث عُرف عنهم باعهم الطويل في مجال التجارة و الأعمال، كما أن العديد من المغاربة اليهود المتوزعين بين دول العالم يحملون المغرب في قلوبهم ويعتزون به، حيث يتجسد في أفكارهم ولبسهم وطبخهم بل و حتى في طقوس عبادتهم، كما يحرصون على زيارة المغرب موسميا و بشكل منتظم.
وهم يحتفظون بالجنسية المغربية كجنسية ثانية، بعد أن أصدر ملك المغرب قرارا بعدم إسقاط الجنسية المغربية عنهم حتى يتمكنوا من العودة إلى وطنهم الأم متى رغبوا، حيث ما زالوا يحتفظون بمعابدهم الدينية الأثرية، و الأحياء القديمة التي كانوا يعيشوا بها والمعروفة ب”الملاح”. كما تجدر الإشارة إلى أن دستور المملكة لسنة 2011 اعترف بالديانة اليهودية رسميا بالبلاد في سابقة عربية ..
كان عدد المغاربة اليهود في حدود 250 ألف نسمة سنة 1940، وكان هذا الرقم يمثل نسبة 10 بالمئة من مجموع ساكنة البلاد، أما التعداد الحالي غير معروف بدقة، و تشير بعض الدراسات إلى حوالي 70 ألف مغربي يهودي، وذلك حسب تقرير صادر سنة 2010 عن منظمة أمريكية مهتمة بمراقبة الأديان و الأقليات في العالم، تدعى منتدى “بيو للديانة و الحياة العامة “. وهم يشكلون نسبة 0,2 بالمئة من مجموع الساكنة التي تقدر اليوم بحوالي 35 مليون نسمة. يقطن بشكل دائم بالمغرب نصف هذا العدد فقط، حيث يعتبر الجيل الحالي منهم جيلا اشتعل رأسه شيبا و يخشى على بداية دق ناقوس الخطر على التراث اليهودي المغربي، فلا شباب يحملون المشعل بعدهم…
“س.ش” شاب يهودي مغربي، فرد من ثلاث أسر يهودية بمدينته، يكملون مجتمعين بالكاد النصاب القانوني للصلاة الصحيحة المقدسة ليوم السبت المتمثل في 10 أشخاص، و قد غادر أربعة منهم مؤخرا ليضطر “س” و بقية يهود المدينة للمغادرة إلى مدينة “الدار البيضاء” لقربها منها لأداء صلاة! يتحدث بحرقة عن إمكانية أن ينهج قريبا نهج معظم المغاربة اليهود، ليلم شمل أفراد أسرته بفرنسا و يترك وطنه المغرب، خاصة في ظل الظروف العالمية المتداعية و التي يلعب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دورا مهما في إذكاء حدة الأحقاد و إعلائها بين الطائفتين الدينيتين اليهود و المسلمين… يتحدث “س” عن مستقبل ابنه الصغير، حيث يتخوف من إبقائه بوطنه المغرب خاصة في ظل الرحيل المتكرر لكل المعارف و الأقارب اليهود… الخشية عليه من التعرض لأي مضايقة تعلو على مشاعر الانتماء العميقة التي تظهر جلية على وجه الشاب اليهودي الذي يصر على تمسكه بمغربيته و انتمائه لتراب الوطن..
الأسبوع المقبل سيعيش المغرب طقسا يهوديا مغربيا بامتياز و متواجدا بدولة “تونس” بنسبة أقل، و هو طقس يأتي بعد عيد “الميمونة”، أكبر تمظهراته تتم بمدينة “الصويرة” ل”حاييم بينطو”، تليها على مستوى ضخامة الحضور و كثافته مدينة “وازان” ل”عمران بن ديوان” يحتفل به اليهود على مدى أربع أو خمس أيام متتالية، يتم اختتامها بحفل تنظمه السلطة المحلية لكل مدينة يقام بها حفل الهيلولة، حيث يتم رفع الدعاء إلى ملك البلاد وكافة ساكنتها بغض النظر عن اختلاف ديانتهم أو مذاهبهم، ويختتم الحفل بترديد أغان مغربية يهودية تراثية.
و للوقوف بشكل جلي على تمظهرات التعايش بين مسلمي م يهود المغرب، استضاف موقع ” صوت الكثبان” الناشط الاجتماعي السيد” جفري إعزَّ” أحد المهتمين الأمازيغ بتاريخ الديانة اليهودية و تواجدها و تمثلاتها بالمجتمع المغربي.
قراءته من المصدر