“قومية شي”، هكذا وصفت مجلة “فورين أفيرز” السياسات “المتشددة” التي يحاول الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فرضها على الأقليات المسلمة في الصين، إذ تتجاوز التغييرات التي يسعى لها الطراز المعماري للمدن المسلمة.
ومنذ مايو الماضي، بدأت السلطات الصينية في حملة اعتقالات في بلدة ناغو في مقاطعة يونان بعد اشتباكات إثر خطط لهدم مآذن مساجد، حيث يقيم في المنطقة عدد كبير من أبناء قومية “الهوي” ذات الغالبية المسلمة.
مسجدا ناجيانيغ وشاديان في مقاطعة يونان هما آخر مسجدين يحملان آثار عربية إسلامية يعودان للقرن الرابع عشر، ولكن تقوم السلطات الصينية بإعادة بناء أسطحها لتصبح شبيهة بالمعابد البوذية والكونفوشيوسية، وهو ما يعني أن التسامح العرقي الديني الذي كان ممكنا ذات يوم في ظل الحزب الشيوعي لم يعد متوفرا في عهد شي.
ويشير تقرير المجلة إلى أن حملات القمع التي شنتها السلطات الصينية ضد أقلية الإيغور المسلمة لاقت اهتماما دوليا كبيرا، لكن حملاتها على الأقليات الأخرى “تمر تحت الرادار”، ومن بينهم أقلية الهوي المسلمة.
من هي أقلية الهوي؟
مسلمو الهوي يبلغون 11 مليون شخصا. أرشيفية – تعبيرية
“هوي جيا تو” بالصينية وهي ما تعني “أتباع دين شعب هوي” هكذا كان المتحدثون باللغة الصينية في سنغافورة وماليزيا يشيرون إلى المسلمين في الصين، بحسب صحيفة “ساوث تشاينا مورينينغ بوست“.
وأبناء قومية الهوي هم رابع أكبر مجموعة عرقية في الصين، ولديهم منطقة حكم ذاتي خاصة بهم على مستوى المقاطعات.
ويبلغ عديد مسلمي الهوي حوالي 11 مليون نسمة، يعشيون في المقاطعات الغربية والوسطي في الصين، وتعود أصولهم إلى هجرة المسلمين من آسيا الوسطي في القرن الثامن بحسب تقرير “فورين أفيرز”.
ويتحدث الهوي لغة الماندرين الصينية، على عكس الإيغور الذين يتحدثون اللغة التركية.
وعاش المسلمون في الصين منذ أكثر من ألف عام، حيث بدأت المجتمعات الإسلامية بالظهور في المدن الكبرى والمراكز التجارية خاصة بعد عام 750، وخلال حكم أسرة يوان المغولية، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، زاد عدد السكان المسلمين، ولكن بعد طرد المغول مما يعرف بالصين حاليا تركت المجتمعات المسلمة في مواجهة تيارات من الكراهية المتزايدة خاصة خلال حكم أسرة مينغ الصينية.
الهوي تحت حكم الحزب الشيوعي
مسلمون من أقلية الأيغور في الصين
وبعد استيلاء الحزب الشيوعي على الحكم في الصين، في عام 1949، بدأت السلطات في استهداف كل أشكال التدين، التي بلغت ذروتها في عام 1975، عندما احتج مسلمو الهوي في مقاطعة يونان على إغلاق مسجد، ليقوم الجيش باجتياح المنطقة حيث تم قتل 1600 شخص بينهم نساء وأطفال.
وفي عام 1978، خلال عهد الرئيس الإصلاحي، دنغ شياو بينغ، اتبعت السلطات نهجا أكثر تصالحية في التعامل مع الإسلام والأقليات المسلمة في الصين، إذ سُمِح لهم بترميم المساجد المدمرة وبناء مساجد جديدة.
ولكن في عهد الرئيس الصيني شي تغيرت الأمور بشكل ملحوظ، إذ عادت السياسات إلى ترسيخ ما يعرف بقومية “الشعب الصيني” أو “الهان الصيني” الذي يعود إلى خمسة آلاف عام، ودمجها بشكل أكبر بالماركسية المعاصرة.
ويرى ديفيد ستروب، وهو خبير إثنية الهوي العرقية في جامعة مانشستر البريطانية، أنه بينما كان التأثير أقل على الجماعات العرقية خارج شينجيانغ، فإن الكثير منهم شهد على هدم مساجدهم أو “تجديدها قسريا” لتتناسب مع المفاهيم الرسمية الصينية، بحسب فرانس برس.
وينص الدستور الصيني على حرية العبادة، لكنه يرسم حدودا صارمة لهذا المبدأ، إذ لا يعترف سوى بخمس ديانات تُفرَض قيود صارمة على ممارسة شعائرها.
شركاء في التعرض للاضطهاد
مسلمو الهوي لا يسعون إلى الانفصال عن الصين على عكس الأيغور
وتواصل الحكومة الصينية حملة تستمر منذ سنوات ضد ما تصفه بالإرهاب والتطرف الإسلامي في إقليم شينجيانغ، واعتقلت أعدادا كبيرة من أفراد أقلية الإيغور وغيرهم من المسلمين.
وتتهم دول غربية وناشطون حقوقيون وباحثون وأفراد من أقلية الإيغور في الشتات بكين باحتجاز أكثر من مليون شخص من الإيغور والهوي وأقليات مسلمة أخرى، منذ عام 2017، في مقاطعة شينجيانغ، بحسب فرانس برس.
كما يتهمون السلطات بأنها تخضع قسرا أفرادا من الأقليات المسلمة لعمليات تعقيم وإجهاض وتفرض على آخرين “السخرة”.
العام الماضي، تحدث تقرير للأمم المتحدة عن “جرائم ضد الإنسانية” محتملة في شينجيانغ، فيما اعتبرت الولايات المتحدة ودول أخرى أن ما يحصل في الإقليم “إبادة”.
ونفت الصين بشدة مزاعم فرض العمل القسري على الإيغور في شينجيانغ وقالت إن برامج التدريب وخطط العمل والتعليم الأفضل ساعدت في القضاء على التطرف في المنطقة.