احراق المصحف
في 24 يناير 2023 كنت أتصفح الأخبار، كان الحدث الأبرز هو “إحراق المصحف” من قبل المتطرف راسموس بالودان، وبدون وعي، تبادر إلى ذهني سؤال “لماذا يكره المسيحيون الاسلام؟”.
الخبر الذي كنت أقرأه كان يحمل عنوان “متطرف مسيحي يحرق المصحف” هذا التركيز على “الدين” في توصيف هوية مرتكب هذا العمل العدائي، ربما استدعى- بدون وعي- “الصيغة غير العادلة” للسؤال الذي خطر لي كرد فعل مباشر.
وأقصد هنا بالصيغة غير العادلة، أنه كان من المفترض أن يكون سؤالي “لماذا يكره راسموس بالودان الإسلام؟” هكذا يكون السؤال واضح ودقيق.
لكن إن استخدم “التعميم – المسيحيون” في السؤال فهو أمر غير عادل وغير صحيح، ثم أنا لا أعرف فيما إذا كان راسموس مسيحي حقًا أم لا!. هل كان يكفي أن أرى وجهاً غربياً كي أصدق أنه “مسيحي”؟!
ما حدث معي ربما هو ما يحدث غالبا لمسيحي يقرأ خبراً عن عمل ارهابي نفذه شخص شرق أوسطي!
“لماذا المسلمون يكرهوننا؟” ..”المسلمون إرهابيون”
هو أيضًا ربما كان يكفي معه، أن يرى وجهاً شرق أوسطي لكي يقول إنه “مسلم”!
ما حدث معي يشير جوجل أنه يحدث أيضًا مع الكثير من مستخدمي جوجل في المنطقة العربية، على مدار الخمس سنوات الماضية، حيث تم استخدام نفس الصيغة “غير العادلة- التعميم” للبحث عن إجابات.
ما هو التعميم ؟!
افترِض أنك كنت تتابع مباراة لكرة القدم بين بنما ونيكاراجوا، فلاحظت أن اللاعبين البنميين جميعهم قصار القامة، فاستنتجت مباشرة إن جميع مواطني بنما قصار القامة!.
هذه هي آلية “التعميم” التي من خلالها، نستخلص نتيجة حول “الجميع” من خلال ملاحظاتنا عن “البعض”.
التعميم المتعلق بالدين: هو حكم أخلاقي أو سلوكي أو عاطفي على مجموعة دينية بناء على تجارب شخصية أو حوادث تاريخية.
المسيحيون يكرهون المسلمين (تعميم يتضمن حكم عاطفي، يكرهون) بناءا على حادثة إحراق المصحف.
لكن، هل يكره المسيحيون الإسلام حقا؟
هذا السؤال تعميم، وللاجابة عليه يجب ان نعرف نوعه، فهناك نوعين للتعميمات:
· الأول: تعميم يمكن التحقق منه
مثل: هل كل الطيور لديها اجنحة؟
هذا تعميم يمكن إثباته، بالعودة للمراجع العلمية ذات العلاقة، وبالتالي بوسعنا الاجابة والتأكيد:
نعم صحيح كل الطيور لديها أجنحة، أو ليس صحيح، هناك طيور ليس لديها أجنحة.
· الثاني: تعميم لا يمكن التحقق منه
مثل: هل يكره المسيحيون الاسلام؟
هذا تعميم التأكد منه أمر غير ممكن، لا نستطيع مقابلة كل المسيحيين وتوثيق آراءهم، ولا يمكن اعتبار كل الصراعات في التأريخ دليل كافي ليصبح التعميم صحيح.
إنه الأمر ذاته عند التعميم: المسلمون إرهابيون، هناك مسلم واحد، عشرة مسلمين، ارتكبوا أعمال إرهابية، هذه حقيقة يمكن إثباتها، لكن لا يمكن الاستناد عليها للوصول الى استنتاج عام حول الجميع: المسلمون إرهابيون.
تكمن خطورة التعميمات في قدرتها على تضليلنا، إقناعنا بما هو خاطئ، التعميم طريق ذهني مختصر للفهم، لكن غالبا ما يتم استخدامه كطريق مختصر لسوء الفهم!
التأثيرات السلبية للتعميم:
نظرية “اللي يتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي”
كان هناك طفل صغير اسمه ” البرت” يخاف من الأصوات والضوضاء العالية، لكنه لا يخاف من الفئران البيضاء، قام عالم النفس جون واطسون بإجراء تجربة عليه: أحضر فأر أبيض للطفل وبالتزامن مع ظهور الفأر احدث العالم واطسون ضوضاء وجلبة خلف الطفل، كانت ردة فعل الطفل هي الخوف والبكاء، قام العالم واطسون بتكرار هذه التجربة لعدة مرات، اظهار الفأر الابيض واحداث جلبه تفزع الطفل، ثم إبعاد الفأر.
بعد ذلك قام العالم واطسون بإظهار الفأر الأبيض للطفل بدون إحداث الضوضاء والجلبة المعتادة، لكن ردة فعل الطفل كانت هي ذاتها: الخوف والبكاء، قام بتبديل الفأر الأبيض بأرنب أبيض، عند ظهوره أمام الطفل، كانت ردة فعله هي أيضا: الخوف والبكاء.
قام بتبديل الأرنب الأبيض “بمعطف” أبيض، وظلت ردة فعل الطفل كالعادة: الخوف والبكاء
ردة فعل الطفل “البرت”: الخوف والبكاء، تم تعميمها على كل الأشياء التي تحمل في طبيعتها تشابه ما رؤية كل ما هو أبيض أصبحت تستدعي (بشكل عام) خوف وبكاء “البرت”.
نحن أيضا تتصرف عقولنا بذات الطريقة: الفأر الأبيض الذي نراه.
المسيحيون يكرهون الاسلام
مثل هذة التعميمات السلبية تؤثر بشكل خطير على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، وتعيق حياة وتطور الملايين من المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون جنبًا إلى جنب في الكثير من بلدان العالم:
-
في داخل الوطن: الكراهية والغضب: ستجعلنا نرى في السائح الذي يزور بلدنا عدو، وفي المهندس الأجنبي الذي يعمل في منشأتنا مستعمر جديد، وفي اخواننا في الوطن من المسيحيين يد للغزاة وعيون له، وستصبح هذه الاوهام مبرر لشرعنة الظلم والتهميش والتمييز والعنف والكراهية، وسنرى في التنوع الطبيعي والاختلاف في الدين، تهديد وتقسيم للمجتمع.
-
في خارج الوطن: عندما نسافر إلى بلد غربي، ستجعلنا الكراهية والغضب نرى في كل العيون التربّص والمؤامرة، وسيتحول هذا الخوف إلى ارتياب دائم، ثم نظرة دونية للمجتمع الذي نعيش فيه، باعتباره مجتمع منحط غير أخلاقي كافر، نرغب في التعلّم فيه، والعمل فيه، لكن لا نرغب أبدا في الاختلاط والتجانس معه!
التعميمات هي تجاهل وإساءة للأفراد الذين لا ينطبق عليهم التعميم
راشيل كوري أمريكية سافرت لقطاع غزه بفلسطين أثناء الانتفاضة الثانية حيث قتلت على يد الجيش الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. “ويكبيديا”.
نموذج من استخدام القرآن الكريم للتعميم غير المتسرع:
قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [ آل عمران: 75]
كيف نواجه التعميمات المتسرعة وغير الدقيقة
1. تجنب استخدام التعميمات بشكل خاطئ
لا تقل: كل، والجميع، قل: بعض، وقلّة
هذه الخطوة البسيطة، لها تأثير كبير وعميق، سيَلمِس من يقرأ أو يستمع لك، موضوعيتك وعدم تعصبك، ولن يرى أحد فيما تكتبه أو تقوله إساءة لأحد.
2. تصحيح التعميمات الخاطئة
صحح دائما التعميمات الخاطئة، سواء على شبكة الانترنت، أو في الحياة اليومية، من خلال توضيح أوجه الخطأ في الاستخدام المتسرع للتعميمات.
مثلا: يمكننا تصحيح التعميم: المسيحيون يكرهون الإسلام، كالتالي: هناك مسيحي يكره الإسلام.
تصحيح التعميمات الخاطئة هو تحويل الحديث من سياق “إساءة” الى سياق فهم ومناقشة، ومبدأ أخلاقي وعقلاني في تناول القضايا المختلفة.
3. عدم مشاركة المحتوى الذي يتضمن تعميمات خاطئة
نحن لا نقبل التعميم على كل المسلمين، وما لا نقبله على أنفسنا، من الظلم أن نقبله على الآخرين.
ختاماً..
لا أؤمن ان هناك صراع بين المسيحية والإسلام، لكنني أؤمن تماما ان هناك صراع دائم بين الكراهية والحب، بين التطرف والتسامح، وأننا جميعا -مسلمين ومسيحيين- ندفع ثمن التطرف والكراهية، لا ثمن الإيمان بدين مختلف.
المصدر/ المنظمة الإلكترونية Ehom