”المرأة والشريعة: تأثير التعددية القانونية في بريطانيا”.
عنوانُ كتابٍ صدر لي باللغة الإنجليزية في لندن عن دار أي بي تاوريس الأكاديمية البريطانية، عام 2016. كان نتاجَ أربع سنوات بحثية. وضعت فيها خلاصة لرحلات بحثية ميدانية في بريطانيا، ومن قبل في الشرق الأوسط. كتبته بسبب قصة حدثت لي في سويسرا. أنا مواطنة سويسرية من أصل يمني، وديانتي هي الإسلام.
في ديسمبر 2008، كتب أستاذٌ سويسري في علم الإنسان الاجتماعي، مقالًا في الدورية الصادرة عن اللجنة الفيدرالية السويسرية لمناهضة العنصرية. اقترح فيه على سويسرا تبني ما سماهُ تعددية قانونية ميسرة. أي السماحُ لبعض الجماعات والأقليات من خلفيات ثقافية أو دينية مختلفة باللجوء إلى قوانينها العرفية أو الدينية في مجالات محددة من الفقه القانوني.
وفي مقابلة لاحقة معه مع صحيفة الأحد، NZZam Sonntag ، شرح ما عناه. فقد اعتبر أن وجود المهاجرين مما سماها أوساطًا “ثقافية بعيدة جدًا”، يتطلب هذا التحولَ القانوني. وقال: إن المسافة الثقافية كبيرة للغاية. ومهما اندمج هؤلاء المهاجرون، فإن الفرق يظل دائمًا قائمًا…”.
ثم اقترح تطبيق الشريعة والمحاكم الدينية الأخرى، التي من شأنها أن تتعامل بشكل خاص مع “المسائل المدنية (العائلية) وكذلك مع الجرائم والجنح”. وأصر الأستاذُ الجامعي أنه عند فعل ذلك يَجبُ الحفاظُ على حقوق الإنسان بالكامل في أية محكمة شرعية سويسرية.
كأكاديمية عربية، كنت حينها قد أنهيتُ للتو رحلاتِ بحثٍ ميدانية في الشرق الأوسط عن حقوق المرأة وقوانين العائلة في المنطقة. وكان نتاج هذا البحث كتابًا صدر عام 2011 بالإنجليزية عن دار روتليدج الأكاديمية، تحت عنوان: “الدولة العربية وحقوق المرأة: فخُّ الدولة المستبدة”.
خلال تلك الرحلات البحثية الميدانية تعرفت عن كثب على واقعِ المرأة بين التقاليد والأعراف القائمة وقوانين الأسرة -أو قوانين الأحوال الشخصية كما نسميها. تعرفت أيضًا على الخصائص المشتركة التي تجمع بين قوانين الأسرة الإسلامية، مع استثناء تونس، وإلى حد أقل المغرب؛ وكيف تؤطر بشكل قانوني لدونية المرأة، وتتعامل معها في أحوال كثيرة كقاصر غير بالغ.
ولدينا تقارير ودراسات بحثية فصلت في هذا الموضوع بإسهاب. فعلى سبيل المثال تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2005، الذي يحمل عنوان “نحو نهوض المرأة في الوطن العربي”، والذي كتبه باحثون وباحثات من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أشار إلى هذه الخصائص العامة المشتركة لتشريعات قوانين الأسرة الإسلامية.
فالمساواة بين المرأة والرجل في علاقات الأسرة “منقوصة في أغلب القوانين العربية، وقوامة الرجل على المرأة وكون أن “للرجال عليهن درجة” أمرٌ مقرر شرعًا. ويجد هذا المنظور تطبيقه القانوني في بعض التشريعات في التزام الزوج بالإنفاق والتزام الزوجة بالطاعة، وفي تقرير حق إيقاع الطلاق للرجل، وله رد زوجته بإرادته المنفردة في الطلاق الرجعي. وتنعكس قوامة الزوج على الزوجة في كثير من التفصيلات الأخرى، فحق الزوجة في التنقل والعمل هو حق مُقيد في كثير من التشريعات بموافقة الزوج. والولاية على مال الأولاد معقودة للأب ثم الجد للأب”.
إذن، كباحثة وكحقوقية وكامرأة، رأت بالعين واقعًا العواقب الوخيمة لتطبيق قواعد الفقه في قوانين العائلة، لكم أن تتخيلوا ردة فعلي على هذا الاقتراح، ذاك الذي يريد أن يمسح بجرة قلم كل الحقوق التي يضمنها لي قانون العائلة السويسري، كإنسان بالغ راشد يقف والرجل متساويين أمام القانون، بدعوى احترام حساسية وخصوصية ثقافية لن تؤدي في الواقع إلا لتمييزٍ قانوني متحيز ضد المرأة لا أكثر ولا أقل.
في الأسبوع التالي من نشر مقابلة الأستاذ الجامعي، نشرت نفس صحيفة الأحد مقالًا لي بعنوان: “القانونُ الإسلامي في سويسرا سيكون له تداعياتٌ وخيمة”.
كان ردي على اقتراحه. وكانت هذه الحكاية هي سببَ كتابة المرأة والشريعة.
فالأستاذ الجامعي في مقاله اعتبر أن بريطانيا هي نموذجٌ يقتدى به في تطبيق التعددية القانونية الميسرة. فقررت الذهاب إلى هناك، ودراسة واقع هذه التعددية القانونية، لعله يكون على حق.
وكانت البداية!
هناك ثلاث مجموعات تدعو إلى إدخال بعض أشكال قوانين الشريعة الإسلامية على المنظومات القانونية في أوروبا وأمريكا الشمالية: أولها منظماتٌ إسلامية تتبنى فهمًا تقليديًا محافظًا للإسلام، أو قوى إسلامية سياسية أصولية تسعى إلى نشر رؤيتها للإسلامِ السياسي باعتباره النموذج الأوحد الأصح لفهم الدين. المجموعة الثانية تتمثل في مسؤولين وشخصيات عامة في أوروبا وأمريكا الشمالية، يعتقدون أن مثل هذه الخطوة قد تساعد على اندماج المسلمين. أما المجموعة الثالثة فتتكون من أكاديميين متخصصين في أنثروبولوجيا القانون، وهم عادة ما يناقشون هذا الموضوع من جانب أكاديمي نظري بحثي.
التجربة الإشكالية للتعددية القانونية
حاولت المجموعاتُ الثلاث سالفة ُ الذكر طمأنة الرأي العام في أوروبا وأمريكا الشمالية، وذلك بالتأكيد على أمرين:
أولًا، إذا اتُّخذت هذه الخطوة، فإنها ستؤثر على الشؤون الأسرية والمدنية للمسلمين والمسلمات فقط. ثانيًا، إن أية خطوة في هذا الاتجاه لن تتعارض ولا يجب أن تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
ثلاث إشكاليات تقف مع هذا التأكيد على طرفي نقيض: الأولى أنها تتجاهل مشكلة التعددية القانونية في المجتمعات العربية والإسلامية، والثانية أنها تهملُ الجدلَ الدائر في المجتمعات العربية والإسلامية حول تطبيق القوانين الإسلامية على أحوال الأسرة، والثالثة أنه لا يمكنُ تطبيقُ قوانين الشريعة الإسلامية في النطاق الأسري دون انتهاك حقوق الإنسان كما نفهمها اليوم.
وفي الواقع، فإن التجربة الفعلية لمحاكم الشريعة في بريطانيا (والتي تمت الإشارة إليها في مقال سابق) تظهر لنا أنها تسببت في انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة، وأنها تؤدي إلى خلق مجتمعات موازية مغلقة يتحكم فيها قادةٌ دينيون محافظون إن لم يكونوا إسلاميين أصوليين.
تقسيم للمجتمع
في ما يخص الإشكالية الأولى، فإن التعددية القانونية تُعتبَرُ جزءًا من تركة الحكم العثماني، بخاصة نظام ”الملل” العثماني في دول مثل مصر، العراق، وأقاليم سوريا الكبرى (والتي شملت حينها سوريا، الأردن، لبنان، وفلسطين).
حسب نظام الملل العثماني، تم تنظيم الأقليات الدينية “المعترف بها”، كالمسيحيين، في مجتمعات تتمتع بحكم شبه ذاتي، ويشرف عليها قائدٌ ديني؛ وتعمل طبقًا لقوانينها وعاداتها الدينية الخاصة بها، وتتولى وظائف اجتماعية وإدارية تشمل عددًا من المسائل، بينها الزواج والطلاق.
وإذا ما دققنا أكثر في تلك السياسات العثمانية، يتضح أنها كرست هيمنة النخب السنية على غير السنة وغير المسلمين، مع المحافظة على الانقسامات الدينية والطائفية والمذهبية في نفس الوقت. وبالفعل، فإن المنظومات القانونية الخاصة بالأسرة، التي تم تبنيها آنذاك، عكست صورة الانقسام في تلك المجتمعات، وتحديدًا ثلاثة عناصر:
* هيمنة الفقه السني (وخاصة الحنفي) على المسلمين غير السنة.
* تجزئة المجتمع على طول خطوطه الدينية والمذهبية والطائفية، ذلك أن لكل طائفة وجماعة قانونها الأسري الخاص بها.
* استقلالية القبائل عن طريق القوانين القبلية – المسماة بالعرف – التي تنظم الشؤون العائلية.
هذه التركة العثمانية لاتزال تثقل كاهل المنطقة الناطقة بالعربية، فقوانين الأسرة في الكثير من المجتمعات العربية تعكس نفس هذه العناصر والانقسامات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث التي قمت بها أظهرت الوظيفة السياسية للتعددية القانونية في الدول العربية اليوم.
فالتعددية القانونية في قوانين الأسرة، إضافة إلى تمييزها ضد المرأة، استُخدمت كأداة لإدامة الانقسامات الاجتماعية في المجتمعات العربية، فهي أعاقت التزاوج بين السنة والشيعة، أو بين المسيحيين والمسلمين واليهود، أو بين القبائل الأصيلة وغيرها من ذوى الأصول المتدنية (على حسب تعريف هذه القبائل). وبهذا فقد تحولت بالفعل إلى عائق جدي لبناء وحدة وطنية، وهوية وطنية متماسكة.
الضغط على الأقليات
كما أن هذا النظام لعب دورًا فاعلًا في أسلمة المجتمعات التي تعيش فيها أقليات دينية أخرى، وهذا يعني ببساطة أن سيادة القانون الإسلامي في مسائل الميراث والوصاية وفي حال حدوث خلاف بين المذاهب أو الديانات، أدت إلى آثار متراكمة دفعت غير المسلمين دفعًا إلى اعتناق الإسلام.
وعلى سبيل المثال، فإن حظر الزيجات المختلطة بين المسلمات وغير المسلمين يؤدي وظيفة سياسية أيضًا، إذ إن هذا الحظر يمنح الرجال المسلمين فقط حق الزواج من غير المسلمات، وبذلك يكون أطفالهم تلقائيًا جزءًا من المجتمع الإسلامي. ووفقًا لأحكام الشريعة، لا ترث الزوجةُ غير المسلمة زوجها المسلم. ترثه فقط إذا اعتنقت الإسلام! وهذا يعني أن الكثيرات سيقمن بذلك لأسباب عملية واضحة.
إلى يومنا هذا مازالت منطقتنا تعاني من هذا الإرث الثقافي. وقد انعكست بشكل مباشر على مفهوم المواطنة المتساوية، أو بالأحرى على غياب المواطنة المتساوية على أرض الواقع.
ففي منطقتنا، وتحديدًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لدينا مشكلة مع موضوع المواطنة المتساوية. وهذا ما أشارت إليه دراسة بحثية صدرت عام 2019 من سلسلة تقارير التنمية البشرية العربية، بعنوان Leaving No One Behind: Towards an Inclusive Citizenship ، كي لا نترك أحدًا في الخلف، من أجل مواطنة شاملة غير متحيزة.
دساتير الدول العربية تؤكد لنا في كثير من موادها على المساواة أمام القانون.
ما يحدث في الواقع هو أن هذه المواطنة تُعاش بشكل متفاوت بين مواطن وآخر.
أي أننا نعيش ما يمكن أن نسميه “جنسية متباينة أو درجات مختلفة من الجنسية وفقًا للحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المواطن/أو المواطنة”.
هناك درجات من المواطنة. أطياف من نفس اللون. مواطنة درجة أولى، درجة ثانية، ثالثة، وأحيانًا ”بدون”، أي أشخاص يعيشون في أوطانهم بدون مواطنة أو جنسية.
هذا التباين والتمييز يحدث واقعًا لأسباب متعددة، منها اختلاف الدين، العرق، الجنس، اللون والطبقة الاجتماعية. كما أنه يحدث على المستويين الرأسي والأفقي، حيث تمارس المعاملة غير المتساوية والإقصاء في العلاقة بين الدولة والمواطن والمواطنة والعلاقة بين المواطن أو المواطنة وغيرهما من المواطنين والمواطنات..
عندما يتعلق الأمر بالمرأة، فالمشكلة مضاعفة. النوع الاجتماعي هو من بين أكثر المواقع عمقًا لعدم المساواة والتمييز الهيكلي في المنطقة. هذا ما يقوله التقرير، هذا ما نعرفه جميعًا واقعًا، وتؤكده دراسات قديمة وحديثة.
لكن، وهذا هو المحك، بالنسبة للمرأة، لا يتم التمييز فقط على أساس درجات المواطنة. لا. علاقة المرأة بالدولة، وبسبب قوانين العائلة، إضافة إلى منظومة العادات والتقاليد، هي علاقة غير مباشرة، تتم عبر وسيط، نسميه ولي الأمر. لا بد أن يكون ذكرًا. أب، أخ، زوج، عم. رجل والسلام. المرأة تحتاج إلى وسيط كي تمارس مواطنتها. وهذا لا يجعلها فقط أدنى في المواطنة، بل ينعكس واقعًا على معاملتها كقاصر. لا كإنسان بالغ راشد.
مواطنة المرأة غير مباشرة في الكثير من الدول العربية، مع استثناءات معروفة، وتحديدًا في تونس، وإلى حد أقل في المغرب.
تطبيق قانون الشريعة الإسلامية
الإشكالية الثانية تقول إن تطبيق قوانين الشريعة في الغرب يتجاهل النقاش والجدل الدائر في المجتمعات العربية والإسلامية حول قوانين الشريعة الإسلامية وتمييزها ضد المرأة والطفل في النطاق الأسري، وهو نقاش بدأ في منتصف القرن التاسع عشر. فالكثير من المثقفين والمثقفات والكتاب والكاتبات في المنطقة، رجالًا ونساء، أكد أن تحرر المرأة هو شرط لارتقاء المجتمعات بشكل عام، إلا أن هذا التحرر لا يمكن أن يكون منفصلًا عن القوانين التي تحكم حياتها، بخاصة قوانين الأسرة.
وفي السياق العربي، فإن الطاهر الحداد في تونس كان أول من أشار إلى أن قوانين الشريعة الإسلامية هي جزء من المشكلة، وإلى أن إصلاحها جزء من الحل.
تونس تبنت هذه الرؤية بعد استقلالها؛ وأدى ذلك إلى إصدار مجلة الأحوال الشخصية في عام 1956، والتي قدمت رؤية إصلاحية جذرية لقانون عائلة مدني لا يرى أي تناقض بين احترام الحقوق المتساوية للزوجين في النطاق الأسري وهوية تونس الثقافية. هذه الرؤية تقف اليوم كنموذج يتطور مع الزمن، فالمجلة اليوم غيرها عام 56؛ أو يتراجع لا سيما مع المد الأصولي الإسلاموي في تونس، والذي يهدد اليوم هذه المكتسبات.
تعريف الشريعة
نموذج تونس يتطلب منا أن نتقدم بتعريف للشريعة يتلاءم مع القرن الحادي والعشرين.
عادة ما أتجنب استخدام تعبيرات مثل الشريعة الإلهية أو شريعة الله، لوصف الشريعة.
النهج الذي أتبعه هنا، يحدد الشريعة من خلال الطريقة التي يتم بها تطبيقها في الدول الإسلامية، وفي إطار قوانين الأسرة المسلمة.
أي أنها مجموعة من الآراء الفقهية التي توصل إليها فقهاء على مدى التاريخ الإسلامي، وبخاصة بين القرنين السابع والعاشر الميلادي. يضع هذا التعريف الشريعة في إطارها البشري الزمني، فهي ليست مقدسة، بل هي آراء فقهية لرجال ينتمون إلى زمانهم. نحترمهم، لكن آراءهم لا تلائم عصرنا هذا.
عندما ننظر إلى الشريعة من هذا المنظور، سندرك حدود ومواطن القصور فيها.
فنحن هنا لا نفكر في إمكانياتها النظرية لتوفير العدالة بعد مائة عام من اليوم. ما ننظر إليه في الواقع هو سياقها التاريخي وتنفيذها الفعلي على أرض الواقع، ومن ثم حدود ومواطن قصورها الواضحة.
وبهذا أصل إلى الإشكالية الثالثة في المطالبة بتطبيق الفقه الإسلامي في المنظومة القانونية الغربية، وهي أنه من غير الممكن إدخال قوانين الشريعة الإسلامية على النطاق الأسري دون انتهاك حقوق الإنسان.
الأكاديمي السوادني الأمريكي المعروف، عبدالله احمد النعيم، الأستاذ في الدراسات الإسلامية، قدم لنا توصيفًا لواقع المرأة في الشريعة، سأستخدمه هنا لتوضيح النقطة الثالثة.
النعيم يقول إن المرأة المسلمة “تتمتع بأهلية قانونية كاملة بموجب الشريعة في ما يتعلق بأمور القانون المدني والتجاري”، لكنها في نفس الوقت “لا تتمتع بحقوق الإنسان على قدم المساواة مع الرجل المسلم”.
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أنه، بالإضافة إلى خلق مواطنة هرمية يقف على قمتها المسلم الذكر الحر، فإن الطريقة التي تعامل بها الفقه مع وضع المرأة، كانت متناقضة في كثير من الأحيان، حيث قدمت للمرأة بعض الحقوق، وحجبت عنها الكثير من الحقوق الأخرى، مع الحفاظ على فكرة أن الرجل المسلم هو الوصي وولي أمر المرأة.
دعونا نبدأ بالجزء الأول من توصيف النعيم. يقول إنه بموجب الشريعة، تتمتع المرأة المسلمة بالأهلية القانونية الكاملة في ما يتعلق بمسائل القانون المدني والتجاري. هذا يعني أنها يمكن أن تتملك وتبيع وتشتري كشخص له ذمة مالية مستقلة، وأنها عندما تتزوج يمكنها الاحتفاظ باسمها.
ومع ذلك، فإن النعيم محق أيضًا في القول إن النساء المسلمات لا يتمتعن، بموجب الشريعة الإسلامية، بحقوق الإنسان على قدم المساواة مع الرجال المسلمين.
في الواقع، تتعارض قوانين الشريعة مع أحكام اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية.
اتفاقيات حقوق الإنسان واضحة حول المساواة بين الرجل والمرأة.
جوهرها هو المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948: “يولد جميع البشر أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق”.
مهد هذا المبدأ الأساس للمادة 16 من نفس الإعلان والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
تصور المادتان الزواج والعلاقات الأسرية كشراكة متساوية يتم الدخول فيها والعيش فيها وحلها من قبل كل من الرجل والمرأة على قدم المساواة. ويُبرم الزواج من قبل شخصين بالغين (أي الثامنة عشرة)، بموافقتهما الحرة والكاملة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وينبغي أن يكون للزوجين نفس الحقوق والمسؤوليات في ما يتعلق بالوصاية على الأطفال، وفي الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة، ونفس الحقوق في ما يتعلق بحيازة الممتلكات وإدارتها والتمتع والتصرف فيها..
قواعد الفقه الكلاسيكي، في المقابل، مازالت تعيش في قوقعة زمنية تعود إلى قرون ماضية. فالمرأة جزءٌ من هيكل اجتماعي هرمي، يسيطر عليه الرجل في القمة. وكشخصية قانونية يتم التحكم في المرأة قبل زواجها من قبل ولي أمرها، وبعد زواجها من قبل زوجها، وعند الطلاق تميز قواعد الفقه بشكل واضح ضدها.
وبالنظر إلى هذا التمييز الواضح، وإلى الإشكاليات الثلاث المشار إليها أعلاه، يمكن تفهم عدم تعاطفي مع الأصوات المطالبة بإدخال قوانين الشريعة الإسلامية على قوانين الأسرة في مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية.
علينا أن ننظر إلى تبعات ونتائج هذه المطالب كي نتفهم مدى خطورتها على مفاهيم المواطنة المتساوية والمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة والطفل. وفي حقيقة الأمر، فإن هذه الأصوات تطالب بتشريع التمييز ضد النساء والأطفال بشكل هيكلي مؤسسي، وهو أمر لن يساعد على إنجاح اندماج مجتمعات المهاجرين المسلمين، بل سيقود إلى تدعيم المجتمعات الموازية والمنغلقة، وظهور نوعين من النساء: النساء الغربيات اللواتي يتمتعن بحقوقهن طبقًا لقانون الدولة، والنساء المهاجرات اللواتي لا يتمتعن بها.