عادةً ما ترتبط كلمة الصوم بشهر رمضان في العالم الإسلامي، إلا أن الصوم له تاريخ طويل، حيث كان موجوداً منذ قديم العصور واتبعته العديد من الأديان، وذلك باختلاف عادات الصوم بين كل ديانة.
وهو ما أكده القرآن الكريم في الآية: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
الصوم أقدم وصية
ويقول البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية الراحل وبطريرك الكرازة المرقسية، في كتابه “روحانية الصوم”، أن الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية. فكانت الوصية الأولى التي أعطاها الله لآدم هي أن يمتنع عن الأكل من شجرة معينة، وبهذا وضع الله حدوداً للجسد لا يتعداها، حيث على الإنسان أن يضبط إرادته في ذلك الأمر. ويرى شنودة أنه بالامتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد وفوق مستوى المادة، وهذه هي حكمة الصوم.
ويذكر شنودة، أن الصوم كان موجوداً حتى في الديانات البدائية والوثنية منها البوذية والبراهمية، وقد كان الصوم لديهم يهدف لقهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها فهو بمثابة تدريب للجسد والروح أيضاً.
ويرى الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حالة “النرفانا” أي انطلاق الروح بالجسد للاتحاد بالله، وهو ما لا يمكن إدراكه سوى بالزهد والصوم.
الصوم عند الفراعنة
الصوم في عهد الفراعنة كان من أساسيات الدين، وذلك حسبما أوضح الدكتور وسيم السيسي عالم المصريات لــرصيف 22، حيث كان المصريون القدماء يصومون 30 يوماً في السنة ولكنها لم تكن معروفة حينها باسم شهر محدد.
في تاريخه الطويل، كان الصوم مناسبة للزهد والتواضع وطلب الغفران، وتقديم الروح على الجسد وحاجاته.
وكان الهدف من الصيام لديهم هو تطبيق قانون الأخلاق، وذلك من خلال تدريب النفس البشرية على أن تتحكم بنفسها، والقانون يعتمد على كلمة واحدة هي الكبح. حيث كانوا يرون أنه على الإنسان كبح جماح نفسه عن فعل عدد من الأشياء مثل السرقة والقتل، وكذا الامتناع عن الطعام والشراب في فترة معينة.
كان يبدأ الصيام عندهم من الفجر وحتى غروب الشمس حيث يمتنعون عن تناول الطعام والشراب، وطيلة تلك الأيام يمتنعون عن المعاشرة جنسياً حتى بعد موعد الإفطار.
كما كان الفراعنة يستقبلون شهر رمضان بأنشودة “وحوي يا وحي إيوحا”، حيث كان “ياحا” هو إله القمر الذي يحركه حتى يظهر بحسب اعتقادهم، أما “وحوي” فهي كلمة مصرية قديمة تعني “ظهر”، فالابتهال هنا هو مناشدة الإله ليظهر القمر.
ولأن الفراعنة كانوا يعتقدون بأن جسد الإنسان قد يكون من تراب الأرض، اختاروا أن يأكلوا من ثمارها حتى يتوافق الطعام مع الجسد، فكان الإفطار يعتمد على أشياء مثل الفول والبصارة.
وفي نهاية الشهر، كان يتم الاحتفال بعيد يسمى “شي شلام ربه”، ويترجم بـ”عيد السلام الكبير”، وهو عبارة عن يومين تتخللهما ليلة القدر، وهي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق والأعمار.
عرف دينيّ إنسانيّ
كما يقول الدكتور أحمد غنيم أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية، في كتابه “فلسفة الصيام”، إنّ الصيام يعد عرفاً دينياً عالمياً، حيث ظهر قبل قرون من نزول الأديان السماوية.
إلا أن اختلاف الزمان والمكان والبيئة والثقافة كان له أثره العميق في فلسفة الصيام وأهدافه، وهو دون شك له شكله ودلالاته الخاصة في الديانات السماوية.
أما عن فلسفة الصيام، يقول غنيم أنه وسيلة للتطهر والتقرب من الأرواح، واستلهام بركتها في الرؤى والأحلام كما جاء في الفلسفة الدينية الهيلينية عند قدماء اليونان.
وعند أسلاف الكولومبيين في “بيرو” في القارة الأمريكية، فقد كان الصيام كفّارة للذنوب بعد الاعتراف بها أمام الكاهن.
وارتبط الصيام أحياناً بالمناسبات السعيدة أو الحزينة، فمثلاً كان يصوم العروسان قبل الزواج في جماعة “تيتا” بشرق أفريقيا و”سانتال” في البنغال، كما شاع بين اليهود المحافظين قبل حفل الزفاف.
وفي الصين وكوريا وبعض الشعوب الأفريقية، شاع الصوم في المناسبات الحزينة، مثل عند مداهمة العواصف، بحسب الدكتور أحمد غنيم. أما عن شكل الصيام، فقد اختلف ما بين امتناع كامل أو جزئي، عن الطعام كله أو بعضه، أو عن الشراب كله أو بعضه، أو عن الطعام والشراب معاً، أو الامتناع عن ملذات أخرى مثل ممارسة الجنس.
الصيام في الأديان السماوية الثلاث
أشار الدكتور سعود الخلف عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في كتابه “دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية”، إلى أن الصيام جاء أيضاً في الدين اليهودي، وله مناسبات مختلفة إلا أن طقوسه واحدة.
يبتدئ الصيام عند اليهود من الفجر إلى غروب الشمس، يمتنعون فيه عن الطعام و الشراب و الجماع. ولهم أيام عديدة متفرقة يصومونها لمناسبات عديدة، منها صوم يوم الغفران وهو أهم صوم عندهم.
وكذلك صوم تمّوز ويكون يوم الثامن عشر من تموز، و يعتبرونه حداداً على بعض الحوادث، وصوم التاسع من آب وهو ذكرى غزو البابليين.
أمّا في المسيحية، فيكون الصيام من خلال الامتناع عن الطعام حتى بعد منتصف النهار، ثم تناول طعام خالٍ من الدسم عند البعض.
والبعض منهم يرى الصوم امتناعاً عن الطعام والشراب من الصباح حتى المساء، وهم يصومون يوم الأربعاء لأنه يوم المشاورة على موت المسيح (وخيانة يهوذا له)، ويوم الجمعة لأنه اليوم الذي صلب فيه المسيح.
وهناك كذلك صوم الميلاد وعدد أيامه 43 يوماً تنتهي بعيد الميلاد وأيام أخرى غير ذلك، وضعت لمناسبات خاصة تختلف من كنيسة إلى أخرى. أوضح عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء لـرصيف 22، أن الكنيسة شهدت الصيام منذ القرن الأول الميلادي، ويكون الصيام بالامتناع عن االمنتجات الحيوانية والسمكية والألبان.
وأنّ الهدف من الصيام هنا سمو الروح للتقرب من الله والتضرع له في الأوقات الصعبة التي تمر بها الكنيسة، كذا الشعور بالفقراء ومن منح العطايا لهم. وجاء الهدف من الصيام في الإسلام لتربية النفس على السيطرة على الشهوات، وتمّ فرض الصوم على المسلمين في شهر رمضان لأنه الشهر الذي أُُنزل فيه القرآن الكريم، وتم فرضه في السنة الثانية من الهجرة. ويكوم الصيام بدءاً من الفجر حتى غروب الشمس، ويكون الصوم تلك الفترة بالامتناع تماماً عن الطعام والشراب والمعاشرة الجنسية.
والصيام في الإسلام منقسم إلى قسمين الأول واجب، وله عدة أنواع، صيام شهر رمضان، والصيام بعِلَّة (لسبب معين)، مثل صيام الكفارات، كـ”كفارة اليمين” و”كفارة الجماع” في نهار رمضان. وصيام النذر وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه غير أن يكون واجباً عليه في أصل الشرع، مثل إنْ نذر الإنسان أن يصوم لله شهراً أو يوماً أو أكثر.
أما القسم الثاني فهو صيام التطوع أو النفل، وبابه واسع مثل صيام عاشوراء والإثنين والخميس وصيام عرفة والست من شوال. وفي عادات المجتمعات المسلمة، يعدّ شهر رمضان فرصة للتواضع أمام الله، وللتعاضد الاجتماعي، حيث يقدّم الطعام للفقراء وللجيران، كما يكون فرصة للتواصل بين الناس والأهل الذين يجتمعون على الإفطار والسحور، والصلاة.
المصدر:رصيف22