في مشهد يتكرر سنويا منذ قرون، يزور آلاف اليمنيين ما يُعتقد أنه قبر النبي هود في منطقة تحمل اسمه بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، وتصاحب الزيارة كرنفالات دينية وشعبية تمتد 8 أيام.
تقع منطقة هود على بُعد نحو 150 كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة سيئون. غير أن اليمنيين، ومعظمهم من الصوفيين، لا يفوّتون الذكرى السنوية للزيارة؛ وتبدأ المواكب بالوصول على ظهور الجِمال المزيّنة بالحناء في اليوم الخامس من شهر شعبان، ويُسمّى أيضًا “يوم الفصل” إذ تُفصل وتُحدَّد فيه الجِمال التي تتحمّل عناء السير.
وفيه تُنظم زيارات إلى أماكن دينية ومساجد، وتقام فعاليات تشهد تعارفا بين الزوار، وفي صباح اليوم السادس تسير قوافل الجمال باتجاه شِعب هود، وخلال يومين تمر بالمناطق الشرقية حيث تُنظم سباقات الهجن، وفي اليوم الثامن تصل إلى الشعب.
يقع قبر هود -أو ما يُعتقد أنه قبره- على هضبة مرتفعة، وتغطيه قبة بيضاء كبيرة. وشُقَّت حديثا طرقات للوصول إليه بالتوازي مع حركة العمران التي شهدتها المنطقة، إذ كان كبار السن يعانون سابقا للوصول إليه.
وتسبّبت الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015 في تراجع عدد زوار القبر من غير اليمنيين، لكن الموسم الأخير شهد حضورا من جنسيات أخرى، معظمهم من طلاب “دار المصطفى للدراسات الإسلامية” في مدينة تريم، عاصمة مديرية تريم التابعة لمحافظة حضرموت.
برنامج الزيارة
يقوم على تنظيم الزيارة أتباع الطريقة الصوفية في البلاد، وتستمر مراسم الزيارة حتى اليوم العاشر من شعبان، وأبرزها زيارة قبر النبي هود، وتنظيم مجالس ذِكْر، وترديد الأناشيد والأهازيج والتواشيح الدينية في مسجد النور وقبة القبر، بينما يتناوب رجال الدين على تنظيم الجلسات الدعوية، ومن أبرزهم الشيخ عمر بن حفيظ.
“دخلة” القبر
يقول عمر حسن الخطيب، وهو أحد المشايخ في “مركز المصطفى للدراسات الإسلامية” وممن يحرصون على زيارة القبر، إن الزيارة قديمة جدا ومعروفة منذ ما قبل الإسلام، لكنها تحولت من زيارة فردية وسوق تجارية إلى ملتقى للذكر وطلب العلم الشرعي، وكان منعطف تحوّلها في عصر الفقيه المقدّم محمد بن علي باعلوي (574-653 هـ) ثم تولى أولاده وأحفاده هذه المهمة من بعده إلى اليوم.
ويوضح الخطيب -في حديثه للجزيرة نت- أن وجود قبر النبي هود في ذلك المكان دلت عليه الأحاديث الحسنة والقريبة من الحسنة، فضلا عن إشارات كتب التاريخ والتفسير إلى الموقع. ويلفت إلى أن مكان القبر كان سوقا يقصدها الناس من مناطق عدة قديما.
وخلال أيام الزيارة، يتوافد الزوار في مواكب أو جماعات تمثل كل منها أسرة أو بلدة. ووفق الخطيب، “يدخل رجل من أهل الفضل والعلم، بأتباعه ومحبيه وجماعته لزيارة القبر، وتُسمى تلك دخلة”، ويسلّم الزوار على بئر “التسليم” التي يُعتقد أنها ملتقى أرواح الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.
وتقتصر الزيارة على الرجال فقط، إذ يُمنع على النساء دخول القبر في أيام الزيارة المحددة في شهر شعبان “خشية الاختلاط”، كما يقول الخطيب، ولكن يُسمح لهن بزيارة القبر في أي وقت من العام.
موروث شعبي
يحرص زوار القبر على تنظيم سباق الهجن، ويُشدد على منع ضرب الإبل أو إيذائها خلال السباق الذي يحظى بحضور فاعل بمشاركة أكثر من 100 جمل، ويُعد من الكرنفالات الشعبية التي تحوّل المنطقة إلى مزار سياحي.
ويقول عبد الله بن شهاب، أحد الزوار هذا العام، إن الزيارة جرت وفق تنظيم دقيق، فقد شهدت إحياء العادات والتقاليد الموروثة بحضور المجالس الدينية، وهي “مجالس خير وذكر ووعظ وإرشاد”.
كما يُحيي سكان مدينة تريم يوم “الشعبانية” لدى عودة الزوار، وتُباع فيه الوجبات الخفيفة كالمكسرات والحلوى، ويلبس الأطفال الملابس الجميلة والزاهية، ويحصلون على الهدايا ويذهبون للتسوق في الأسواق الشعبية الواقعة إلى جوار المقابر التي يزورها الناس. وفي اليوم الـ14 تُنظم ألعاب شعبية وتراثية تجذب كثيرا من الزوار، رجالًا وأطفالًا.
المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي