تعد البهائية إحدى الديانات الحديثة في العالم، حيث نشأت في منتصف القرن التاسع عشر في إيران الحالية، ويعود تأريخ وجودها في اليمن إلى عام 1844، عندما مر الباب محمد على الشيرازي عبر مدينة المخا الساحلية، وأعلن عن ظهور هذه الديانة ونشر تعاليمها بين السكان المحليين. ولكن لم يتم الاعتراف الرسمي بوجود البهائيين في اليمن إلا في نوفمبر 2015.
ويقدر عدد البهائيين حاليا بنحو إلفي بهائي، يتوزعون في عدد من المدن والمناطق اليمنية. ويتميز البهائيين في اليمن بحسن تعاملهم، وميولهم الدائم الى السلام والمساواة، وفق مبادئهم الأساسية التي تشمل السلام والقبول بالآخر.
عمل البهائيون عبر عدد من المؤسسات الخدمية والاجتماعية، من بينها مؤسسة «نداء للبناء والتعايش»، التي قامت بتنفيذ العديد من البرامج الخدمية في عدد من المحافظات اليمنية، قبل أن يتم إغلاقها وبقية مؤسسات وأنشطة الطائفة من قبل الحوثيين1 .
تمثل قضية اضطهاد البهائيين في اليمن، أحد أهم القضايا المرتبطة بالمواطنة المتساوية، والعيش المشترك، في حين أن البلاد في أمس الحاجة إلى التعايش، فالتنوع بشتى أشكاله الدينية والفكرية والثقافية سنة إلهية لا يمكن خلو أي مجتمع إنساني منها.
انتهاكات وقمع تحت حكم الحوثيين
اُعتبرت علاقــة البهائيين بالسلطة اليمنية، قبل الحرب، بالسلمية نسبيا، حيث اعترفت الدولـة جزئيـا بالديانة، وسُــمح لاتباعها بممارســة معتقداتهــم بحريــة في أغلــب الأحيــان2. وما أن سيطرة جماعة الحوثيين على السلطة في 2014، حتى تحولت حياة البهائيين في اليمن إلى جحيم، وفق وليد عياش.
حيث تعرض البهائيين وأعضاء الأقليات الدينية الأخرى في اليمن، في مناسبات مختلفة، للاحتجاز والتعذيب، وسوء المعاملة، على أيدي سلطات الأمر الواقع بصنعاء، وحُكم على بعضهم بالإعدام لاعتناقهم دينهم، في إجراءات قضائية لا تستوفي ضمانات المحاكمة العادلة3.
كان آخر تلك الانتهاكات اقتحام مسلحين حوثيين ملثمين، منزلاً في صنعاء، كان يجتمع فيه بهائيين، واحتجزوا 17 شخصا، بينهم 5 نساء، واُقتيدوا إلى مكان مجهول، وقد تم إطلاق سراح 6 منهم، فيما لايزال 11شخصًا منهم رهن الإخفاء القسري، بما في ذلك امرأتين، ولم تتمكن عائلاتهم من التواصل معهم على اليوم.
بين خطر التحريض ودق ناقوس الخطر
تغذي الانتهاكات ضد الأقليات الدينية والعقائدية خطاب الكراهية الذي قد يرقى إلى حد التحريض على الكراهية والعداء والتمييز على أساس الدين والمعتقد.
في 2018 أقرت ســلطات صنعاء كتابــا بعنــوان الصــراع العربي-الإســرائيلي، جــزءًا مــن المنهــج الــدراسي الإلزامــي في جامعــة صنعــاء، يصــف الكتــاب البهائيين أنهـم حركـة صهيونيـة. كما قــام زعيــم الجماعــة عبدالملــك الحــوثي، بأقوى عمل تحريضي ضد البهائية، وبدعوات تحريضية خطيرة ضد الأقليات الأخرى.
ويفيد وليد عياش بأن تضييق العيش على البهائيين، المستمر من قبل جماعة الحوثي، قد أدى إلى حرمان شريحة من المجتمع من حقهم في التعبير عن معتقدهم، وممارسة طقوسهم الدينية.
ووصف بيان للمفوضية السامية للأمم المتحدة الانتهاكات التي تطال البهائيين في اليمن من قبل جماعة الحوثي، بأنها لا تهدف إلاّ إلى دق إسفين في المجتمع، ومعتبرًا ذلك أمر مقلق للغاية لا سيّما في وقت تجري فيه مفاوضات السلام، وتهديد لحياة البهائيين وسلامتهم.
وينص الدستور اليمني في المادة 41″ ” على أن” المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة”. وفي المادة “42” “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير حدود القانون”.
وقف الظلم على البهائيين وحفظ حقوقهم
نواجه تحديًا كبيرًا مع الحوثيين، حيث يعتبر أي شخص يختلف معهم فكريًا أو دينيًا هدفا لممارساتهم القمعية والتمييزية، الأمر المثير للكارثة هو أن الجماعة تعتقد أنها تمتلك الحقيقة الدينية المطلقة، وأنها تقوم بفعل ذلك وفقا لأوامر الله، وهذا يلقي بظلال سلبية على سمعة اليمن وحقوق الإنسان في البلاد أمام العالم، يقول وليد عياش.
ويلفت عياش إلى أن الأمر حاليًا يتطلب ضغطًا دوليًا أكبر على الحوثيين، لإطلاق سراح البهائيين والمحتجزين في سجونهم فورا وبدون قيود.
وأنه بدون ذلك ستظل مختلف الحلول والمعالجات عبارة عن مهدئات لمشكلة حقيقية تهدد السلام والاستقرار والسكينة العامة للمجتمع اليمني.
نضال من أجل العدالة
نجح وليد عياش ومجموعة من أبناء الأقليات في اليمن، الذين عانوا من قمع واضطهاد جماعة الحوثي، في تأسيس “المجلس الوطني للأقليات في اليمن”، بعد الإفراج عنهم من سجون الجماعة، بهدف الدفاع عن حقوق الأقليات وتعزيزها. في اليمن.
واجه المجلس العديد من التحديات، بما في ذلك عدم تجاوب الحكومة المعترف بها دوليا لمنح المجلس ترخيصا، على الرغم من تقديمهم جميع الوثائق القانونية المطلوبة، وبالرغم من لقاءهم برئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، ووعد بترخيص المجلس، إلا أنه لم يتم تنفيذ ذلك.
ومنذ تأسيسه في 2021 ، عمل المجلس الوطني للأقليات بالتنسيق مع المؤسسات البهائية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والشخصيات المؤثرة محليا، على تسليط الضوء على قضية البهائيين، ورصد انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرضون لها، وإصدار البيانات والتقارير الحقوقية التي تعكس حجم معاناتهم في اليمن.
ويشدد عياش في نهاية حديثة على أن قضية الأقليات في اليمن بما هي عليه من أهمية تبقى بحاجة إلى تحرك وتفاعل أكثر وأكبر في مختلف الفضاءات والمجالات الدولية والمحلية، داعيًا العالم والمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها وتوفير الحماية الدولية للأقليات في اليمن.
المراجع والمصادر
- الأقليات في اليمن بين الواقع والتحديات -مركز انصاف للدفاع عن الحريات والأقل يات2019
- البهائيون في اليمن: من الظل إلى الاضطهاد والنفي-دراسة لمركز صنعاء ،2021
- https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2023/06/yemen-un-experts-call-release-disappeared-bahais
- https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2023/06/yemen-un-experts-call-release-disappeared-bahais
- https://www.facebook.com/DefendingBahaiRights/
- مقابلة مع وليد عياش-أحد أبرز أتباع الطائفة البهائية في اليمن- ورئيس مؤسسة نداء للتعايش والبناء والأمين – والعام للمجلس الوطني للأقليات في اليمن.