أثار الحديث عن استيلاء العتبة العسكرية (إدارة مرقد الإمامين العسكريين) على الجامع الكبير في سامراء ومحاولة تغيير اسمه جدلاً كبيراً في الشارع العراقي وفي الأروقة السياسية والدينية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ظل على مدى قرون مسجداً لأهل السنة والجماعة.
واستنكرت أحزاب وكذلك رجال دين وشخصيات عراقية الخطوة التي أقدمت عليها العتبة العسكرية في سامراء ومحاولة تغيير اسم الجامع من “سامراء الكبير” إلى جامع “صاحب الأمر”، مبدين تخوفهم من أن يؤدي ذلك إلى إثارة النعرات الطائفية، ومطالبين الحكومة والمراجع الدينية بالتدخل نظراً لما يتمتع به الجامع من أهمية تاريخية وأثرية.
وكان أول رد فعل صدر عن ديوان الوقف السني (مؤسسة حكومية) إذ وصف الخطوة بالاستفزازية، مبدياً رفضه الشديد “لما تتعرض له أوقاف السنة من اغتصاب علني في السنوات الماضية”.
كما عدّ الوقف هذه الخطوة تصعيداً واستفزازاً للمكون السني في سامراء والعراق، مطالباً في بيان صحفي الحكومة والمراجع الدينية بالوقوف ضد هذا الإجراء لأجل إطفاء الفتنة وحفظ السلم المجتمعي بين مكونات الشعب العراقي، حسب نص بيان للوقف السني.
إجراء غير مسبوق
من جهته، حذر رئيس البرلمان الأسبق ورئيس لجنة الأوقاف والعشائر النيابية الحالية محمود المشهداني من حدوث فتنة طائفية نتيجة الخطوة التي اتخذتها العتبة العسكرية، مشددا على أنها ستؤثر سلبًا على اللحمة المجتمعية في سامراء.
وأبدى المشهداني -في بيان- استغرابه من “الإجراء غير القانوني لإدارة العتبة العسكرية بإعلان تغيير اسم جامع سامراء الكبير ومدرسته الدينية التاريخية وتحويل عائديتهما إلى إدارة العتبة، بعد أن كان وعلى مدى أجيال مسجداً للسادة الشافعية”، حيث يحتوي المسجد على مقبرة لأئمته الذين تولوا التدريس فيه مدة طويلة من الزمن.
في غضون ذلك، رفض تحالف السيادة -الذي يضم قوى سنية ويتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي- تصرف إدارة العتبة العسكرية، واصفا إياه “بغير المسبوق”.
وبيّن التحالف أن هذا التحرك يعبر عن رغبة في إحداث تغيير ديمغرافي وإرباك في العلاقة المتينة بين العراقيين، مطالبا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالتدخل العاجل لإيقاف محاولات إيقاد الفتنة.
في السياق، وردا على خطوة العتبة العسكرية، زار رئيس تحالف العزم النائب مثنى السامرائي الأربعاء الجامع برفقة عدد من علماء ووجهاء سامراء، كما أوصى الوقف السني بالإسراع في معالجة النواقص في الجامع الذي يعد صرحا دينيا تاريخيا، ليكون مؤهلا في أقرب وقت لأداء العبادات.
كما استنكرت جبهة الإنقاذ والتنمية التي يتزعمها رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي خطوة العتبة العسكرية، مؤكدة أن القصد منها فرض النزعة الطائفية واستفزاز أصحاب الحق والتاريخ والاعتداء على مشاعرهم ومعتقداتهم، من خلال إحداث تغيير للهوية التي تنتمي إليها الغالبية من أهالي سامراء، حسب بيان الجبهة.
لا تعليق من العتبة
ولم تعلق الأمانة العامة للعتبة العسكرية في سامراء على الموضوع، غير أن مسؤولا إعلاميا في العتبة أكد -للجزيرة نت- أن العتبة ستعلن عن تفاصيل وملابسات الأمر في وقت قريب، عازياً ذلك إلى أن القضية لا تزال محل جدل بين الأوساط الإعلامية والحكومية، حسب قوله.
ولم يصدر عن الحكومة أي تعليق، رغم محاولات الجزيرة نت التواصل مع المتحدث باسمها باسم العوادي الذي كان قد وعد بالرد والإيضاح في وقت لاحق، غير أنه لم يجب على الاتصالات اللاحقة.
وعن هوية المناطق وعمقها التاريخي ومحاولات تغييرها، أبدى سعد سلوم الخبير بشؤون التنوع الديني قلقه من تصاعد النزاعات المرتبطة بالأوقاف الدينية في أماكن عديدة من العراق، معتبرا أن مصطلح التغيير الديمغرافي المستخدم اليوم يعادل مصطلح “التطهير العرقي”، حيث تُستبدل هوية مناطق بكاملها بغية السيطرة عليها، حسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، بيّن سلوم أن العديد من المناطق ذات العمق التاريخي والحضاري ومنها سامراء الأثرية بدل أن تكون عامل وحدة بين العراقيين أصبحت مصدر صراعات لما وصفها “بالسرديات الانتقامية” وخلق استقطابات طائفية وخطاب كراهية يهدد بمزيد من الانقسام، وفق قوله.
على الجانب الآخر، يقول الباحث والموسوعي علي النشمي إن الجامع لا تقام فيه الصلاة بالوقت الحاضر، وهو أثر تاريخي ولا يمكن تحويل جنس الأثر، مستبعدا -في حديثه للجزيرة نت- قيام العتبة العسكرية بمحاولة تغيير اسم الجامع، ومستدركا بالقول “لو كان كذلك لاستشارونا في الأمر”، مبينا أن ما يشاع لا يخرج عن كونه كلاما متداولا في مواقع التواصل الاجتماعي وهو عار من الصحة ويراد منه الفتنة، حسب تعبيره.
عائدية الجامع
وعن عائدية الجامع وتاريخه، يقول مستشار منظمة أبي دلف للتنمية الناشط غزوان الحميد السامرائي، وهو من سكان مدينة سامراء، إن جامع سامراء الكبير ملاصق لضريح الإمامين العسكريين (علي الهادي وابنه الحسن العسكري) إذ بني في عهد الدولة العباسية الأخيرة بعد أن أعيد الحكم إلى بغداد وألحقت به فيما بعد المدرسة العلمية في زمن حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، إثر مطالبة علماء سامراء بذلك، حيث سجلت المدرسة والجامع ضمن الوقف الإسلامي الخاص بمدينة سامراء.
وأوضح السامرائي -في حديث للجزيرة نت- أن الجامع كان قد أغلق في أعقاب تفجير قبة ضريح الإمامين العسكريين عام 2006، حيث تم سحب سند ملكية العقار وضمه ضمن ممتلكات الوقف الشيعي ومنع أي ممثل للسنة من إدارته، رغم أن الدستور العراقي ينص على أن إدارة العتبة العسكرية تكون مشتركة بين الوقفين.
وتابع بالقول “بدأ التوسع للاستيلاء على محيط الضريح ومنع أصحاب الأملاك هناك من استغلال أملاكهم أو حتى زيارتها وإعمارها، وقد جعلوا من منطقة سامراء القديمة محصنة لا يمكن لأبناء المدينة الوصول إليها، ولكن بعض مسؤولي المدينة ذهبوا إلى إسطنبول للحصول على الوثائق التي تثبت عائدية الجامع والمدرسة للسنة، إلا أن الوقف الشيعي والعتبة لم يعترفا بها وقد استطاع مسؤولون في سامراء الوصول إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو وتزويدها بالوثائق، وبدورها قامت بضمها ضمن محميات التراث العالمي”.
المصدر/ الجزيرة نت