يحيي أبناء المدينة القديمة بمدينة إب مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، وسط البلاد، ليلة “الشعبانية”، والتي تصادف ليلة النصف من شهر شعبان من كل عام، عبر طقوس وعادات اجتماعية مختلفة تنتقل من جيل لآخر منذ زمن.
وتعد ليلة “الشعبانية” ليلة مميزة لدى أبناء إب لاسيما أهل المدينة القديمة، والذين يحيون المناسبة بطقوس متنوعة تختلف أحياناً من منطقة إلى أخرى، لكنها في المدينة القديمة، أكثر حماساً إذ تستمر طوال أيام الـ 14 و15 و16.
وهذه الليالي الثلاث هي ليال مقمرة، وتعد استثنائية خصوصاً عند صغار السن، الذين يحضرون توزيع “الحلوى” و”الجعالة” و”الفشار” ويحصلون على بعض النقود، تزامناً مع وجود مسرح مفتوح يتمثل في “الجَمَلْ”، رمز الفعالية ووسيلتها الكوميدية.
وتشهد الفعالية عروضاً مسرحية في الهواء الطلق، أبطالها شباب الحي وجمل الشعبانية، وهو مجسم من القماش والخشب، تؤدى عبره حركات مثيرة للضحك والمرح والرقص على أنغام الطبول وأناشيد وأهازيج الأطفال، ويخالط تلك الأجواء روحانية عظيمة وفق وصف الكثير من كبار السن.
كما تضاء الفوانيس والشموع في المناسبة التي ربما تنفرد إب في طريقة إحيائها عن بقية المحافظات اليمنية.
ويحرص أبناء المدينة القديمة، على الحفاظ على هذا الموروث الديني والثقافي، رغم المخاطر المحدقة به نتيجة الإهمال الرسمي، وغياب الشغف لدى بعض الشباب وهو الحامل الذي كان يحافظ على الموروث عند الأجيال الماضية.
وقديما قبل ليلة النصف من شعبان، كان الآباء يشترون الثياب الجديدة للأطفال والنساء، والأخيرات ينقشن الحناء على أيديهن استعدادا للمناسبة التي يرونها كـ “عيدية” لها مذاقها الخاص.
حالياً ما تزال النساء يجهزن العديد من المأكولات الشعبية المحلية، ويشترين الحلوى ضمن الاستعداد لطقوس “الشعبانية” والتي تراجعت بشكل لافت مقارنة بالسنوات الماضية، نتيجة الانهيار الاقتصادي والمعيشي بفعل الانقلاب والحرب التي تشهدها البلاد.
يقضي معظم أبناء مدينة إب القديمة نهار يوم النصف من شعبان في “الصوم” كنافلة يتقربون بها إلى الله سعيا منهم لنيل الأجر والثواب، حيث يعتقدون أنه “ترفع الأعمال الصالحة إلى الله خلال العام ككل” في هذا اليوم، ولذا يجتهدون في صيامه وإحياء طقوسه التي لم يتخلوا عنها في كل الظروف والأزمات التي مرت خلال السنوات الماضية والتي من بينها جائحة “كورونا” حيث أحيوها بالرغم من المخاطر القائمة آنذاك.
جمل الشعبانية
“جمل الشعبانية” هو الموروث الأبرز من بين تلك الطقوس، وهو عبارة عن مجسم قماشي يدخل من خلاله مجموعة من الشباب أو الأطفال ويحركوه على وقع الموسيقى والألحان المصاحبة، وبالتوازي يقوم شبان بالضرب على علب من الحديد بالعصي الصغيرة، مرددين لحناً خاصاً وأهازيج شعبية خاصة بهذه المناسبة.
ويقوم الجمل بالرقص على وقع الطبول ليتجمع حوله الأطفال أثناء رقصه ومروره بجوار البيوت والمحلات التجارية، وفي الأحياء، في المقابل يمنح الناس الشباب الذين يقومون بإدارته مبالغ مالية نظير إسعاد الحضور.
ويعتبر الكثير من كبار السن في المدينة القديمة، هذه المناسبة نوعا من الاستقبال البهي لرمضان والتي يحيونها بنهكة روحانية وسعادة غامرة وابتسامات تملأ الآفاق.
في أرياف محافظة إب، يُحيي العديد من المواطنين “الشعبانية” بطقوس أخف من تلك التي تشهدها مدينة إب القديمة، حيث يصوم الكبار نهارا، فيما يتم التجمع بمجالس كبيرة لترديد الأذكار ولسماع الأهازيج والأناشيد الدينية يقودها كبار السن ممن لهم خبرة في إحياء هذه المناسبات وعرفوا بها منذ أزمنة بعيدة.
بعض من أهازيج الشعبانية التي يجري ترديدها:
ألا مسا ابدأ بربي الِّي خلق
ألا مسا كاسي العود بالورق
ألا مسا ليلية ياليلية
ألا مسا ليلة الشعبانية
ألا مسا جوك امسِّي عندكم
ألا مسا زوجوني بنتكم
غير أن الأطفال اختصروا الكثير من تلك الأهازيج بحثا عن المقابل المادي الذي يحصلون عليه عادة من الناس في المنازل والمحلات التجارية، حيث يقومون بترديد أهازيج، تحمل طلباً للمال بطريقة فكاهية:
(الجمل جاوع يشتي كراوع)
أو ( شعبانية ميِّة ميِّة).
المصدر/ المصدر أون لاين