أعلنت السلطات الفرنسية عزمها العمل على إجراء تعديل دستوري مثير للجدل، يلغي حق مواليد جزيرة مايوت الفرنسية ذات الأغلبية المسلمة في المحيط الهندي بالحصول على الجنسية، بدعوى أنها ستساعد في وقف أزمة الهجرة غير الشرعية.وأعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانين خلال زيارته للجزيرة في 11 فبراير/شباط 2024، أنه “سنتخذ قرارا جذريا. لن يكون من الممكن بعد الآن أن تصبح فرنسيا إذا لم تكن ابنا لأب فرنسي”، حسب ما أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية.وأضاف دارمانين، “هذا الإجراء من شأنه أن يقلل من جاذبية الأرخبيل بالنسبة للمهاجرين المحتملين. إنه إجراء قوي للغاية وواضح وجذري، ومن الواضح أنه سيقتصر على أرخبيل مايوت”.وتتألف جزيرة مايوت من جزيرتين صوتتا لصالح البقاء جزءا من فرنسا في 1973، بينما أعلنت الجزر الأخرى في الأرخبيل المحيط ذي الأغلبية المسلمة استقلالها لتصبح جمهورية جزر القمر.
ويسمح الدستور الفرنسي بمنح الجنسية للمواليد لأب أو لأم فرنسية، أو للطفل المولود على الأراضي الفرنسية بشروط معينة، ويعتمد ذلك على جنسية الوالدين أو مكان ميلادهم، أو حتى المدة التي قضاها الطفل في فرنسا قبل بلوغ سن الرشد، وهو ما ينطبق على كامل الأراضي الفرنسية باستثناء جزيرة مايوت، التي تخضع لقواعد أكثر صرامة.
وليتم الاعتراف بالطفل المولود في مايوت على أنه فرنسي، يجب أن يكون والداه مقيمان بشكل قانوني في فرنسا حين ولادته، لكن الحكومة أعلنت مؤخرا أنها تنوي تشديد هذه القواعد بشكل أكبر في 2024.
وفي حين أدان اليسار الخطة الجديدة كونها هجوما آخر على القيم الفرنسية، فإن الزعماء السياسيين من اليمين واليمين المتطرف سرعان ما رحبوا بها، وطالبوا بتطبيقها في جميع أنحاء فرنسا.
وقال بوريس فالود، رئيس الاشتراكيين في الجمعية الوطنية لقناة “فرانس 3″، إنهم سيعارضون مراجعة الدستور مؤكدا أن “الجنسية المكتسبة بالولادة غير قابلة للتفاوض”.
وندّد اليساري مانون أوبري بالقرار، قائلا إن إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “تهاجم مفهوم الجنسية ذاته، وهو أساس الجمهورية”.
بينما تساءل سيباستيان تشينو النائب الفرنسي، والمتحدث باسم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تنتمي إليه ماريان لوبان في منشور على منصة “إكس”، “لماذا لا يستحق كل الفرنسيين ما يستحقه المهوريون؟ يجب إلغاء حقوق الأرض في جميع أنحاء التراب الوطني”.
وقال تشينو في تصريحات تلفزيونية، “أهدر كثيرا من الوقت للتوصل إلى استنتاج مفاده أن إلغاء الحق في الأرض، ليس في مايوت فقط، لكن في كل مكان في فرنسا، ليس ضروريا فحسب، بل يمكن تحقيقه من خلال إجراء استفتاء ومراجعة الدستور”.
وقال رئيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية المنتمي إلى وسط اليمين فرنسوا بايرو، “اقترحت هذا القرار في وقت مبكر من 2007، منذ ما يقرب من 20 عاما”.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية، “كنت على قناعة منذ ذلك الحين بأنه لا يمكن الهروب من الواقع، كما هو واضح في جزيرة مايوت، المتمثل في الهجرة المستمرة من جزر القمر التي تسبب موجات خطيرة وكبيرة وهجرة أفريقية”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أقر البرلمان الفرنسي مشروع قانون صارم للهجرة تم تبنيه تحت ضغط من اليمين، ويبدأ البرلمان مناقشته خلال شهر مارس/آذار المقبل.
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2024، رفض المجلس الدستوري -أعلى سلطة دستورية في فرنسا-، أكثر من ثلث البنود الواردة في قانون الهجرة المثير للجدل، خاصة النصوص المتعلقة بتقليص الإعانات الاجتماعية ولمّ الشمل، إضافة إلى فرض نظام حصص خاصة بالهجرة يحددها البرلمان.
ورفضت المحكمة 32 تعديلا من أصل 86 على أساس أنها لا تتعلق بموضوع القانون، كذلك شجب المجلس الدستوري 3 تعديلات أخرى جزئيا، أو كليا بسبب روحيتها، ورفض جزئيا تحديد البرلمان حصصا خاصة بالمهاجرين.
مايوت.. حلم الباحثين عن الجنسية الفرنسية
وتبسط فرنسا سيادتها على أراضي جزيرة مايوت التي تقع شمال غرب مدغشقر منذ 1841، حين اشترت باريس الجزيرة التي كانت تتعرض لهجمات القراصنة باستمرار، قبل أن تحتل جزر القمر بأكملها في 1912.
في وقت لاحق، غيَّرت باريس اسم الجزيرة التي يمثل المسلمون نسبة 97% من سكانها من الاسم العربي القديم “جزيرة الموت” إلى “مايوت”، وكانت تُسمَّى جزيرة الموت؛ لأنها محمية بشُعب مرجانية تحيط بها وتحطم السفن القادمة إليها.
وفي 1974، وبعد النضال ضد الاستعمار الفرنسي، أُجري استفتاء شعبي صوَّت فيه 95% من سكان جزر القمر لصالح استقلال بلادهم، وانضمت إلى جامعة الدول العربية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1993.
أما في استفتاء مايوت، فصوّت 63.3% من سكان الجزيرة ضد خيار الاستقلال، وفي استفتاء ثان أقامته باريس في الجزيرة 1976، جاءت نتيجته موافقة 99.4% على البقاء مع فرنسا، وعدم الانضمام إلى دولة جزر القمر.
وفي 1995، فرضت فرنسا تأشيرة دخول لمايوت على مواطني جزر القمر، مما أدى إلى بدء ظاهرة الهجرة غير النظامية، التي يحاول من خلالها سكان الجزر الأخرى قطع 70 كيلومترا التي تفصل بينهم وبين مايوت في قوارب صيد صغيرة، خاصة الحوامل اللواتي يحاولن الوصول إلى مايوت لوضع أطفالهن هناك، حيث يحصل المواليد على الجنسية الفرنسية.
وفي 2009، صوَّت 95.2% من الناخبين في الجزيرة لصالح أن تصبح مايوت مقاطعة فرنسية كاملة، وهو ما أعلن عنه رسميا في 2011.
ورغم أن ما يقرب من نصف سكان الجزيرة لا يحملون الجنسية الفرنسية، ولا تعترف الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأفريقي ولا جامعة الدول العربية ولا جزر القمر بأحقية فرنسا في الجزيرة، فإن مايوت حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2014 كونها المقاطعة الفرنسية رقم 101.
ووفقا للمعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية “إنسا”، فإن الجزيرة التي تبلغ مساحتها 375 كيلومترا مربعا هي موطن لحوالي 310 ألف شخص، أكثر من 40% منهم يعيشون على أقل من 160 يورو شهريا.
وتعدّ تصاريح الإقامة الصادرة للوافدين الأجانب إلى مايوت صالحة للجزيرة فقط، ولا يمكن استخدامها للسفر إلى البر الرئيس لفرنسا، وهو ما يثير احتجاجات واسعة داخل الجزيرة للمطالبة بإلغاء هذا النظام.
وشهدت مايوت موجات هجرة قوية لسنوات عدة، معظمها من أرخبيل جزر القمر المجاور، حيث يبحث آلاف الفارين من الفقر عن وضع معيشي أفضل.
وتسبب هذا التدفق في توترات كبيرة، حيث اشتكى كثيرون من انتشار الجريمة والفقر، وعلى مدار أسابيع شهدت الجزيرة احتجاجات ضد انعدام الأمن وأزمة الهجرة، بينما يفتقد 29% من سكانها للمياه الصالحة للشرب.
وفي مايو/أيار 2023، أرسلت فرنسا عشرات الحفارات والشاحنات وأكثر من 600 ضابط شرطة إلى مايوت، لترحيل أكثر من 10 آلاف “مهاجر غير شرعي” لا يحمل الوثائق اللازمة، وتدمير 1000 مسكن من العشوائيات، في إطار خطة باريس لمواجهة الهجرة غير النظامية في أراضيها.
ومنذ 2018، بدأت فرنسا ترحيل 25 ألف مواطن قمري سنويا في المتوسط من مايوت، كما أنها منحت حكومة جزر القمر نحو 150 مليون يورو لمكافحة هجرة القمريين “غير الشرعية” على حد وصفها بين 2019-2022.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الفرنسية + مواقع التواصل الاجتماعي