في شهر شعبان من كل عام هجري جديد، يحيي يمنيون طقوساً شعبية تقليدية متوارثة، تسبق حلول شهر رمضان، يطلق عليها في مناطق عدة من البلد اسم الـ”شعبانية”.
تختلف تلك الطقوس باختلاف المناطق، فتتنوع بين الأهازيج الشعبية والأمسيات الأدبية والتوشيحات الإسلامية، والحفلات الفرائحية، وجميعها تقام ابتهاجاً بقدوم رمضان.
هل هي بدعة؟
لكن لم تعد المظاهر الاحتفالية تقام بشكل كبير كما كانت عليه في السابق، لأسباب متعددة، منها الوضع العام للبلد الذي يعيش حرباً منذ ثماني سنوات، وما تلاها من تدهور في المعيشة. ومع ذلك لا يزال اليمنيون في بعض المناطق يحتفظون بشيء من هذا الابتهاج، ويحيون إرثهم الشعبي رغم المعاناة، فضلاً عن أن هناك خلافاً حول مسألة الاحتفال بالشعبانية، إذ يعدّها بعض المتدينين “بدعة”.
حليم الجبوبي مواطن من مدينة إب، يعتبر أن الشعبانية موروث شعبي ثقافي وديني. يقول لرصيف22: ”الشعبانية عادات وتقاليد يقوم بها الناس في ليالي 13-14-15 من شهر شعبان من كل عام، وفيها يمتزج الفرح مع الابتهال إلى الله بدخول شهر رمضان المبارك والناس في خير وعافية”، لكنه يعترف أن هذه الأجواء لم تعد بنفس الروحانية والزخم اللذين كانت عليهما في السابق.
بعد الإفطار يجلس الناس في حلقات ويبدأون بقراءة القرآن، يتخلل ذلك قراءة سورة “يس” ثلاث مرات ثم دعاء طويل خاص بهذه الليلة
هي ليلة النصف من شعبان، وفيها تنطلق فعاليات إحياء الشعبانية بمظاهر متنوعة تحفر في ذاكرة الصغار والكبار، ويجد فيها الناس تقليداً سنوياً، يستعدون خلاله لاستقبال شهر رمضان.
في نهار ليلة الشعبانية، يصوم الناس، وبعضهم يسبق ذلك بصيام يوماً قبله ويوماً بعده إيماناً منهم ببركة هذا اليوم.
بعد أن يفطر الأهالي يجلسون في حلقات دائرية ويبدأون بقراءة القرآن والدعاء. يتخلل ذلك قراءة سورة “يس” ثلاث مرات ثم دعاء طويل خاص بهذه الليلة.
حلوى وأغانٍ وجَمَل الـ”شعبانية”
في مناطق مثل إب وتعز في وسط اليمن، يضيف الناس إلى ليلة الشعبانية، أشياء خاصة مميزة، كتزيين الشوارع وإشعال القناديل والأضواء، ويطرق الأطفال أبواب المنازل في المساء لتوزع عليهم الحلوى والكعك، وهم يبتهجون ويلعبون.
وفي هذا اليوم اعتاد الصغار ارتداء ثياب جديدة، وتوضع الحناء على أكف الفتيات الصغيرات وتضفر جدائلهن بعناية.
عبدالمجيد من محافظة إب يقول لرصيف22: “اعتاد الناس كل عام انتظار (المُمَسي) وهو شخص يمر بمنازل المواطنين، ومعه أشخاص يرددون بعده مثل الكورال، يدق على الطبل، ويسمعهم طرباً شعبياً، إذ يمسّي على سكان كل منزل واحداً واحداً، ويمدحهم بكلمات بسيطة عفوية وفكاهية، وتلك صورة من مظاهر الشعبانية في اليمن”.
آلا مساء ومساء الخير ومساء
واسعد ليالي الرضى بالعافية
آلا مساء جيت امسي عندكم
آلا مساء واسعد الله يومكم
على إيقاع الأغاني الشعبية كان الأطفال والكبار في الأحياء الشعبية قديماً يرقصون مع لعبة على هيئة جمل، تتم صناعتها من خرق وأكياس أو ما يسمى بالعامية اليمية “الجونية والشوالة” حيث يصنعون غطاء كبيراً يتسع لثلاثة أشخاص، ثم يأخذون علباً فارغة وعصياً طويلة ويصنعون منها عنقاً ورأساً للجمل، يخيطونهما ويزينونهما بالشرائط الملونة ثم يتجولون مع الجمل ومعهم علب السمن والزيت الفارغة للضرب عليها، وهم يصفقون ويغنون، ويطرقون أبواب المنازل وهم يقولون ”الجمل جاوع نشتي حق الشعبانية” فيعطيهم الناس نقوداً أو حلوى.
في مناطق مثل إب وتعز تُزيّن الشوارع وتُشعل القناديل، ويطرق الأطفال أبواب المنازل في المساء لتوزع عليهم الحلوى والكعك وهم يرتدون ثياباً جديدة، وتوضع الحناء على أكف الفتيات الصغيرات وتضفر جدائلهن بعناية
وهناك ما يسمى “الجمل الأكبر”، وهو الجمل الرسمي الخاص بالاحتفال بالشعبانية، يصنع بعناية ويعلق عليه علم اليمن ويلبسه أشخاص كبار، والجمل الكبير يتبعه حشد من الناس يدورون معه في أرجاء القرية أو المنطقة ليلاً.
الطقوس الروحانية في حضرموت
وإلى محافظة حضرموت شرق اليمن، التي تمتاز بطقوس أكثر روحانية، يتحدث ناصر القطيبي، وهو إمام وخطيب أحد مساجد الصوفية بمنطقة ”غيل باوزير”، حول ليلة النصف من شعبان ومظاهر الاستعداد والترحيب برمضان. يقول لرصيف22 : ”في السابق كان الناس يجتمعون بشكل أكبر في المساجد لإحياء هذه الليلة، لكن مؤخراً وبسبب الأفكار الدخيلة على المنطقة تغير الكثير من العادات، مع ذلك فهذه العادة ما تزال موجودة في بعض المساجد القديمة والأماكن التي تتجمع فيها النساء”.
مؤخراً بسبب الأفكار الدخيلة تغيرت الكثير من العادات، مع ذلك فعادة إحياء الشعبانية في المساجد ما تزال موجودة في بعض المساجد القديمة والأماكن التي تتجمع فيها النساء
يقرأ المجتمعون في تلك الجلسات الروحانية سواء كانوا في المساجد أو المنازل، عن ليلة النصف من شعبان وفضائل صومها وكيفية التعبد فيها، ثم قراءة سورة يس ثلاث مرات كل مرة بنية خاصة. بعد ذلك يتم قراءة دعاء متداول عن أحد السلف وهكذا، وفي النهاية يستمع الحاضرون لقصيدة ترحيبية برمضان.
وعن المظاهر الاجتماعية الأخر، يقول:”كان الناس بعد ليلة الشعبانية يستعدون لشهر رمضان بتنظيف المنازل وتزيينها وتبييضها لكي لا ينشغلوا عن العبادة في رمضان”.
مناسبة شعبية أكثر منها دينية
ومن حضرموت إلى تهامة بمحافظة الحديدة غرب اليمن، حيث الناس الطيبون المسالمون بطبيعتهم، البسطاء في تعاملاتهم وطقوسهم، أحمد النعمي إعلامي شاب من أبناء تهامة بدأ حديثه عن الشعبانية ممازحاً: ”بدعة اتق الله”، ثم أوضح مظاهر الاحتفاء بهذه المناسبة في مناطق تهامة.
في تهامة يعتبرون الشعبانية طقوساً شعبية أكثر منها دينية، فهي مناسبة فرائحية سنوية تقام في السهل التهامي كاملاً حتى مناطق في المملكة العربية السعودية
يقول النعمي لرصيف22 إنهم في تهامة يعتبرون الشعبانية طقوساً شعبية أكثر منها مناسبة دينية، فهي مناسبة فرائحية سنوية تقام في السهل التهامي كاملاً حتى مناطق في المملكة العربية السعودية ، لكنها اختفت تماماً في السعودية بسبب ما أسماه ”التمدن والتطور” الحاصل هناك، وهي مستمرة في السهل التهامي من المخا إلى ميدي حتى اليوم.
ويضيف: ”لمدينة زبيد خصوصية في هذه المسألة باعتبارها قلب تهامة وإرثها الحضاري والتاريخي. وتبدأ طقوس ليلة الشعبانية من بعد صلاة المغرب. أغلب الناس يصومون نهار ذلك اليوم، ويجتمع الأهل والأصدقاء لتناول وليمة الإفطار، ويلبسون أجمل الثياب. وفي زبيد يذهب الناس إلى دواوين العلماء وهي بالعشرات، يستمعون لفضائل هذه الليلة، وتتخلل ذلك الأهازيج الشعبية والتسابيح الصوفية، ويستمرون حتى ساعات الفجر”.
المصدر: رصيف22