” كنت من المحظوظات اللواتي أتيحت لهن الفرصة لإكمال التعليم الثانوي ومن ثم الجامعي، وها أنا ذا اليوم أعمل معلمة في بلدتي، أرد بعض الجميل لها ” هكذا تعبر ماريا راضي عن امتنانها لبلدتها مديرية (بروم ميفع)، وهي إحدى قرى ساحل حضرموت.
عانت منطقة بروم في بداية الألفية الثانية كغيرها من المناطق الريفية الساحلية في محافظة حضرموت من مشكلة تسرب الفتيات من التعليم في المرحلة الأساسية، حيث يكملن الصف التاسع ويتوقفن عن الدراسة، وذلك بسبب عدم تواجد ثانوية للبنات في منطقتهن.
كانت أقرب ثانوية للبنات بالنسبة لمنطقة بروم تقع في منطقة فوة (أحد أرياف المكلا الغربية) تبعد ما يقارب 42.5 كيلو متراً، وهو ما يعني عدم قدرتهن على الانتقال إلا بوسيلة نقل ما يجعل العائلات غير قادرة على تحمل تكاليف التعليم، أضف إلى ذلك العادات والتقاليد المحافظة والتحييد الجنساني، نتج عنه قيود على حرية الفتيات في الانتقال والتعلم.
تعاني اليمن من تحديات عديدة تؤثر على حق الفتيات في التعليم، وتأتي تداعيات تسرب الفتيات من التعليم في اليمن بعدة أشكال بما في ذلك:
1. ارتفاع معدلات الأمية: إذ يؤدي تسرب الفتيات من التعليم إلى زيادة معدلات الأمية في المجتمع. ما يؤثر سلبًا على قدرات الفرد وفرصه في الحصول على عمل جيد وتحقيق مستقبل مستدام.
2. تفاقم التفاوت الاجتماعي: يتسبب تسرب الفتيات من التعليم في تفاقم الفجوة الاجتماعية بين الجنسين، ما يعزز التحيزات والتمييز ضد الفتيات ويعوق تقدم المجتمع بشكل عام.
3. ضعف التنمية الاقتصادية: يعتبر التعليم النوعي للفتيات عاملاً مهمًا لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتسرب الفتيات من التعليم يجعل شريحة كبيرة من المجتمع عاطلة عن العمل ما يؤثر على التنمية الاقتصادية في البلاد.
في عام 2001، قدمت (جمعية الأمل الخيرية الاجتماعية الثقافية) مبادرة لحل مشكلة عدم التحاق بنات مديرية بروم بالتعليم الثانوي – نتيجة لعدم وجود ثانوية بالمنطقة – بنقل الفتيات الراغبات للالتحاق بالثانوية الى منطقة فوة وهي المنطقة الأقرب لمديرية (بروم ميفع ) .
يقول عبد العزيز بامحسون مدير الجمعية في ذلك الوقت بأنه تم تطبيق الحل على مراحل، حيث قامت الجمعية أولاً بمخاطبة الممولين لها من أبناء المنطقة المغتربين في المملكة العربية السعودية وإقناعهم بأهمية دعم الفتيات في مواصلة مسيرتهن التعليمية.
بعد الموافقة التي تلقتها الجمعية، من الممولين، قامت الجمعية بإعطاء كل طالبة مبلغ مالي خمسين ريال سعودي من الممولين شهرياً وكانت الطالبات يستأجرن بها وسيلة نقل (باص) لنقلهن إلى ثانوية فوة يومياً، وبلغ عدد الملتحقات في أول سنة 12 طالبة .
استمر دعم الفتيات الملتحقات بالثانوية بالمبالغ المالية التي تساعدهن على دفع تكاليف النقل لمدة خمس سنوات، بعد ذلك توالت طلبات الرغبة في الالتحاق بالثانوية من الفتيات وزادت أعدادهن، فافتتحت السلطة المحلية في مديرية بروم نواة لثانوية البنات في المنطقة بفصل واحد ، لتنجح الفكرة وتتخرج الطالبات ويتشجعن لمواصلة التعليم الجامعي ، لتعود مرة أخرى جمعية (الأمل ) لنقل الطالبات عبر توفير (باصات ) في هذه المرة للراغبات بمواصلة التعليم الجامعي .
وتعبر ماريا راضي بن دحمان معلمة اللغة الإنجليزية في ثانوية بروم للبنات عن امتنانها للفرصة التي أتيحت لها بإكمال تعليمها الثانوي والجامعي ، حيث كانت ضمن الدفع التي درست الثانوية خارج بروم (فوة) ، وتحكي تجربتها وقد تخرجت من الثانوية في 2008 لتواصل تعليمها الجامعي بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية ، ثم تعود لتدرّس في ثانوية البنات في منطقتها ..تقول : ” كانت عملية شاقة الذهاب يومياً من بروم إلى فوة للدراسة في الثانوية حيث أن المسافة الزمنية ساعة بالباص ذهاباً وساعة إياباً ، لكني سعيدة ..أنا الآن أدرّس البنات في بلدتي اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية “.
ولعل بعد المسافة في تلك الفترة واحدة من أهم العوائق التي تسببت في عزوف الكثير من الفتيات خريجات المرحلة الأساسية عن الذهاب للثانوية في فوة على الرغم من توفر المعونة التي تساعدهن في تكاليف الدراسة، إلا أنه وبعد بناء الثانوية في البلدة ازداد عدد المنتسبات للمرحلة الثانوية ، وبلغ عدد الطالبات اللواتي ينقلن للجامعة مؤخرا ما بين 35 الى 40 طالبة ، من مختلف الكليات الدراسية الجامعية.
وبحسب إحصاءات الجمعية التي تحولت إلى مؤسسة تنموية فإن حوالى 25% من خريجات الثانوية المستهدفات يلتحقن بالجامعة.
وفي تجربة مشابهة لمشكلة تسرب الفتيات من التعليم في مصر، قامت وزارة التربية والتعليم بفتح فصول ذكية في مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء، بغرض تعليم الفتيات في الوديان ومنع تسربهن من التعليم.
التعليم في الوديان كان يقتصر على شهادة الصف السادس الابتدائي ثم يلتحق الطلبة الذكور فقط بالتعليم الإعدادي في مدارس المدينة دون الفتيات طبقا للعادات والتقاليد البدوية.
الفصول الذكية عبارة عن فصول مُجهزة ومُعززة بوسائل تكنولوجية تخدم العملية التعليمية وتخلق فرصاً جديدة وفعالة للتعليم والتعلم وتهدف لتوفير تواصل دائم بين الطلاب والمدارس والمعلمين وكذا أولياء الأمور للحد من مشكلة تسرب الفتيات، وتقدم برامج التوعية الثقافية والمجتمعية للتجمعات البدوية من خلال الندوات وعرض الأفلام الوثائقية والأفلام الوطنية خلال الفترة المسائية.
*تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي