مضت عقود على بدء أولى حملات وسياسات الاضطهاد بحق أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار مع بداية الحكم العسكري في الستينيات، وآخرها كانت موجة تهجير حدثت قبل 6 أعوام، واستذكرها نحو 30 ألف روهينغي بوقفات احتجاجية نظموها في 12 مخيما من مخيمات النزوح البالغ عددها 33، أمس الجمعة في منطقة كوكس بازار على الحدود بين بنغلاديش وميانمار.
وفي الاحتجاجات، أكد متحدثون باسم الروهينغا مطالبهم بالمواطنة وعودة آمنة وطوعية إلى قراهم، وليس إلى مخيمات نزوح مغلقة كما أتى في العرض الذي قدمته ميانمار من دون تنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. كما شكر اللاجئون بنغلاديش على استضافتها أكثر من مليون روهينغي، وكان بعضهم لجأ أواخر الثمانينيات، وعاشوا في مخيمات النزوح مع أبنائهم وأحفادهم إلى الآن.
وقال تحالف البرلمانيين في دول آسيان من أجل حقوق الإنسان -في بيان- إنهم قلقون من أن سنوات مضت على الإبادة الجماعية التي تعرض لها الروهينغا من غير أن يتحمل المتورطون في هذا العنف مسؤوليتهم، مؤكدين ضرورة التزام المجتمع الدولي -بمن فيهم دول آسيان- بضمان العدالة للضحايا وأسرهم، وعودة اللاجئين الذين نزحوا قسريا نتيجة عنف الجيش الميانماري.
وتتفاوت التقديرات بشأن عدد ضحايا أعمال عنف عامي 2017 و2018، عندما بدأ جيش ميانمار التحرك ضد الحكم السياسي المدني، لكنها تشير بأغلبيتها إلى أن العنف الممنهج أسفر عن مقتل نحو 10 آلاف من الروهينغا، وتدمير نحو 300 قرية، وتهجير أكثر من 700 ألف روهينغي خلال أسابيع.
وقال المتحدث الأممي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار توم أندريوس إن مسؤولية معاناة الروهينغا تقع على عاتق من في القمة، “مثل قائد الجيش الميانماري مين أونغ هلاينغ الذي قاد حملة الإبادة الجماعية، وهو الآن يرأس المجلس العسكري الذي يعتدي على السكان المدنيين في جميع أنحاء ميانمار”.
الأوضاع الإنسانية تزداد سوءا
وكان المجتمع الدولي طالب برفع مستوى المعونات الإنسانية التي خفضت خلال العام الجاري؛ إذ قُلصت الحصص الغذائية التي تعطى للأسر الروهينغية بنسبة 30% إثر الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء عالميا.
فانخفضت قيمة المعونات التي تعطى لكل لاجئ روهينغي في بنغلاديش من 12 إلى 8 دولارات شهريا، كما طالب الشباب أثناء الاحتجاجات بتوفير فرص عمل وتعليم في مخيمات النزوح حتى يحسّنوا مستوى معيشتهم.
وأعادت منظمة “فورتيفاي رايتس” الحقوقية المهتمة بملف الروهينغا -اليوم السبت- تقديم تقرير كانت أصدرته في فبراير/شباط 2014، مشيرة بذلك إلى بقاء الأحوال الإنسانية على ما كانت عليه.
ويتحدث التقرير أنه رغم تكرار استنكار المجتمع الدولي أعمال العنف المستمرة ضد المسلمين الروهينغا في ولاية أراكان (غربي ميانمار)، فإن القيود المفروضة بصورة منظمة على حرية حركة الروهينغا أو من بقي منهم في ولاية أراكان تهدد حقوقهم الأساسية المُهملة بشكل كبير.
دعوة لإنهاء السياسات العدائية
ودعا التقرير إلى إنهاء سياسات الدولة العدائية بحق المسلمين الروهينغا في ميانمار، مؤكدا اطلاع معديه على وثائق رسمية مسربة تفصل السياسات المفروضة على من بقي من الروهينغا في ولاية أراكان بعد تهجير الأغلبية.
وتركز السياسات على التضييق على الروهينغا اجتماعيا حتى يصعب على شبابهم الزواج، أو تلقي النساء الحوامل عند الوضع الرعاية الطبية الكافية، فضلا عن منعهم من ترميم مساكنهم أو مساجدهم، أو استكمال وثائق تثبت ملكيتهم العقارات والأراضي، وتوضح تلك القرارات السرية لعناصر الأمن صلاحياتهم في فرض إجراءات صارمة تحت عنوان “التحكم في السكان”.
وأشار التقرير الذي أعدته منظمة “فورتيفاي رايتس” إلى تورط حكومة ولاية أراكان التي تسيطر على أركانها قومية “الرِيكاين” البوذية، في حين تعود صياغة تلك القرارات وإصدارها إلى الحكومة المركزية التي يسيطر عليها جنرالات الجيش، وأفاد التقرير بأن مثل هذه السياسات المفروضة على الروهينغا يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وتعد السياسات التي تحاصر المسلمين على الأصعدة كافة قائمة في ولاية أراكان وعدد من ولايات البلاد حيث تقطن أقليات مسلمة من قوميات أخرى.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية اعتبرت كل ما ارتكب بحق الروهينغا يرقى ليكون إبادة جماعية.
المعارضة تقر بحقوق الروهينغا
وعبرت حكومة الوحدة الوطنية الميانمارية المعارضة عن حزنها العظيم -في بيان- تجاه المذابح التي ارتكبها جيش ميانمار عام 2017 بحق الروهينغا، قائلةً إن الأحداث شهدت مقتل الآلاف وجرائم اغتصاب جماعي بحق السجناء والسجينات وترهيب النساء، ضمن حملة أحرقت مئات القرى وأزالت معالم تاريخية.
وأضاف البيان أن أكثر من مليون لاجئ في بنغلاديش يعيشون في ظل الفقر وانعدام الأمن، ولا يملكون أملا بشأن عودتهم إلى قراهم، مما يجعل كثيرين يفكرون في خوض رحلة بحرية محفوفة المخاطر نحو أي دولة مجاورة من أجل إيجاد مخرج من الحال التي يعيشونها منذ سنوات.
وأكد البيان اعتراف حكومة الظل المعارضة بحقوق مواطنة الروهينغا بوصفهم جزءا من الشعب الميانماري، متأسفةً عن السياسات الاستئصالية التي اتخذت بحق الروهينغا وغيرها من القوميات الدينية في ميانمار نتيجة توسع سياسات الحكم العسكري في البلاد.
وتعهدت حكومة المعارضة بالسعي لتوفير ظروف مناسبة لعودة طوعية وآمنة للاجئين الروهينغا، وبالعمل على إحداث تغيير اجتماعي، وتعديل القوانين التي تحمل تمييزا بحق أي أقلية في البلاد. وفي هذا الصدد، عُيّن نائب لوزير حقوق الإنسان من الروهينغا ليكون صوتهم مسموعا في وضع سياسات الإصلاح القانوني للمعارضة الميانمارية.
المصدر : الجزيرة