“ليش ..لِمَه ..لموه..لييش” ..كل هذه مرادفات السؤال “لماذا” بلهجات متفرقة من محافظات مختلفة في اليمن.
كذلك جملة “يعطيك العافية” التي يختلف معناها بشكل صادم ما بين الدول العربية، ففي مصر وسوريا ولبنان تدل على الخير والصحة والسلامة، بينما في المغرب وتونس فهي تدل على التمني بالنار والشر!
وقس على ذلك الكثير من المصطلحات والأفكار والممارسات والتي قد تختلف مسمياتها لكنها قد تتفق في الجوهر أو تختلف في التوقيت لا أكثر..
في بلادٍ ليست ببعيدة اجتمعت مع أكثر من 30 صحفي من أكثر من 15 دولة عربية، في قاعة واحدة، لم نآبه بلحظة ما لأدياننا المختلفة ومعتقداتنا حولها أو نحشر في النقاشات والتفاصيل اليومية إعتبارات الأسئلة والوصف (من أين، الديانة، الطائفة، الحزب)!
ولعل هذه كانت ابرز مخاوفي قبل الوصول الى قاعة التدريب؛ أن تطفو إجابات هذه الأسئلة على أحاديثنا فتمنع عنا متعة اللقاءات الأولى وتبادل الثقافات والتجارب من بلدان تجمعها قضية عربية واحدة؛ (خطاب الكراهية)!
المفاجئة أن زمالة “صحافة للحوار” التي جمعتنا في بلد حاضن للتنوّع والاختلاف، دفعتنا بشكل أو بآخر الى التمعن في هذه الفرصة وزواياها وثمارها وإعادة النظر في أنفسنا أولًا ومجتمعاتنا، فهي لم تكن بتاتا تدريب لأربعة أيام وانتهى الأمر، لكنها كانت حافلة بنقاشات وحوارات واختلافات كانت تؤدي دائما إلى وحدة الشعور والإيمان أن الروح الإنسانية واحدة وتستحق السمو بعيدًا عن أي تسميات وهويات!
الأمر الذي شجعني كثيرا على رسم الحياة بهذه الصورة الجميلة، وانتهى الحلم بلوحة سلام ومحبة.
في بلاد أسموها يوما “السعيدة”.. تتعدد الثقافات لكل مدينة على حدة، والتراث اليمني زاخر بكل ما هو جميل وممتع من لكنات وملابس تراثية ورقصات وألعاب شعبية؛ الأمر الذي يجعل هذه البلد هدفا للباحثين والسيّاح لكن..!
على الجهة الأخرى.. هذه البلد تشكو النزاعات ويقتتل ابناءها؛ الأمر الذي يُشوّه اللوحة..
ماذا لو أننا..
نعيش في مكان واحد.. في أرض واحدة، بدون حواجز أسمنتية.. بدون نقاط أمنية.. بدون أسئلة (وين رايح.. من فين.. من وين أنت)..
نُظهِر اختلافنا الجميل في لبسنا ولهجتنا وموائدنا وأفراحنا وأتراحنا، ونناقش اختلافاتنا في الفكر والدين والعقيدة بدون المساس بإنسانيتنا التي تحفظ ماء وجوهنا وسلامنا وسلامتنا..
نختلف كثيرًا لكن نحترم ونتقبّل ذلك.
نتحاور.. ونتحاور.. ونتحاور؛ حتى نرى سجية اليمنيين التي ذكرها نبي العالمين “ألين قلوبا وأرق أفئدة”، والتي لا ينكرها اثنين؛ لكنها غابت ملامحها منذ أن اتسعت العين البشرية وباتت تلاحق البشر وتتفحّص علاقتهم بربهم.. بأنفسهم، وتؤطرهم بإسقاطات وصكوك..
حتى بانت النواجذ الدامية!
ألا يبدو الأمر مثيرا للاهتمام والسعي أن تصبح الأوطان بيئة خصبة للاختلاف وللمحبة والسلام… والحوار!
بعد أربعة أيام تدريب وحوار في بلدنا الثاني الأردن.. أيقنت تماما أن الوعي التام بمصطلح الحوار وأهميته سيجعل منّا (صحفي ومواطن) نفكر جيدا -قبل الحديث او النشر- في تلابيب ما نقول.. نكتب! حتى لا نتنازع، ينتصر الأحمر، تسوء الصورة وتسقط اللوحة!
وهذا ما يجب أن نعمل عليه كصحفيين وبشر (في المرتبة الأولى) في الفترة القادمة.
شكرا كايسيد.. فالدرس عظيم.
المصدر/ المواطن