يعيش المعلمون والتربويون في اليمن أوضاعاً متردية تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً بعد تأخر صرف رواتبهم وعدم انتظامها منذ ثماني سنوات، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما دفعهم إلى العمل في مهن متدنية مقارنة بالتدريس، إذ اتجه نحو 30 في المئة منهم إلى الاشتغال بالفلاحة والنظافة والأعمال المساندة.
وتصاعدت نسب تسرب المعلمين اليمنيين من قطاع التعليم تاركين مهنة التدريس بحثاً عن أعمال أخرى لتوفير متطلبات أسرهم وعائلاتهم، لاسيما بعد انقطاع رواتبهم وردع السلطات الحوثية لأية مطالبة بالرواتب المتأخرة أو الجديدة، وحرمانهم من أية مستحقات مالية.
من التعليم إلى الفلاحة
ومحمد الأمين واحد من بين عشرات المعلمين الذين اختاروا مهناً مختلفة غير التعليم، وانتقل الأستاذ الذي كان يشرح لطلابه جداول الضرب إلى جداول المياه التي تحيط بها أحواض مختلفة من النباتات.
وبدأ الفلاح الجديد رحلة مشروعه الخاص الذي أطلق عليه اسم “مركز النهضة للتنمية الزراعية” وهو يختص بزراعة الخضراوات والفواكة، وعلى ما تظهره صور الذكريات التي نشرها عبر صفحته على “فيسبوك” فإن الاسم مشتق من مدرسته التي كان يعمل بها وهي “مدرسة النهضة” الواقعة في أرياف شمال غربي البلاد.
وبدا الأمين من خلال حسابه على “فيسبوك” ناشطاً ومرشدأ لمتابعيه المهتمين بالزراعة.
ازدياد مطرد
من جهته، قال رئيس اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين اليمنيين أبو زيد الكميم إن “عدد معلمي اليمن الذين تسربوا من قطاع التعليم يقدر بـ 30 في المئة، لافتاً إلى أن عددهم يتزايد بشكل مطرد وأصبح معظمهم باعة متجولين في الشوارع، فيما يعمل آخرون في المطاعم والبقالات، بينما اتجه عدد كبير منهم إلى القطاع الخاص أو مغادرة البلاد.
واتهم الكميم السلطات الحوثية بالتمييز في عملية صرف الرواتب، مشيراً إلى أن الموظفين الموالين لها يتسلمون رواتبهم من البنك المركزي من دون انقطاع على مدى الأعوام الماضية، سواء كانوا في المجلس السياسي أو مجلس النواب ومجلس الشورى، وكذلك العاملين في قطاعات الكهرباء والاتصالات والجمارك والضرائب.
وأوضح رئيس اللجنة التحضيرية أن تعامل السلطات مع مشكلة رواتب المعلمين غير واقعي، فبدلاً من مناقشة مطالبهم ومعالجة مشكلاتهم شرعت الحكومة الحوثية في اتخاذ إجراءات أمنية تعسفية بحق التربويين، منها “تهديد القيادات التربوية والنقابية وطلبات الاستدعاء من مكاتب التربية للتحقيق معهم بتهمة المطالبة بالرواتب”.
جدول طوارئ
ونوه الكميم بالأخطار التي تلاحق العملية التعليمية جراء تسرب المعلمين، مشيراً إلى تراجع نسبة حضور الكادر التعليمي الذي بات يقتصر على المدير والوكلاء وقلة من المتطوعين، محذراً في الوقت نفسه من تطبيق جدول الطوارئ في المدارس، إذ يحضر المعلم يوماً واحداً في الأسبوع لتدريس المنهج للطلاب.
وأشار رئيس اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين اليمنيين أبو زيد الكميم إلى تعرضه لمحاولة اختطاف على يد مسلحين حوثيين حاولوا اعتقاله من مكتب التربية في صنعاء، بسبب مطالبته بصرف رواتب المعلمين والتربويين، لافتاً كذلك إلى اختفاء الأمين العام للنادي محسن الدار قبل يوم من الواقعة للسبب نفسه.
وفي السياق لفت مسؤول شؤون المعلمين في نقابة المعلمين اليمنية فؤاد باربود إلى تأثير السياسية الحوثية في العملية التعليمية، مؤكداً أن السلطات سلبت كل حقوق المعلمين والمعلمات، وكذلك الإداريين والعمال في المدارس والمنشآت التعليمية.
دعوة إضراب
وأشار باربود إلى إطلاق نادي المعلمين دعوة إلى الإضراب الشامل تزامناً مع بدء العام الدراسي الحالي داخل المحافظات الخاضعة للحوثيين في الـ 22 من يوليو (تموز) الماضي، لافتاً إلى أنها تتواصل للأسبوع الثالث على التوالي بمشاركة آلاف المعلمين في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة، مطالبين بصرف الرواتب الموقوفة منذ ثماني سنوات.
من جهته استنكر الكاتب اليمني سلمان شمسان وصف الحوثيين لتعامل المعلمين المشاركين في الإضراب بالخيانة”، موضحاً أنه إذا كانت المطالبة بالراتب جريمة فإن تسلم رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط والمحافظين والوزراء والنواب وغيرهم من قادة الحوثي أموالاً من البنك المركزي اليمني في صورة رواتب أو منح أو مكافآت، جريمة أشد وأكبر.
وشدد شمسان على أن “الإضراب سيؤدي إلى دعم المعلمين في انتزاع رواتبهم وإلى حل واحدة من أشد القضايا تعقيداً، إذ سيجعل الحوثي في موقع الخصم الوحيد أمام الموظفين وبخاصة المعلمين، وسيفتح الباب واسعاً أمام سلسلة من التحركات والاحتجاجات الشعبية”.
وبالتزامن قالت الحكومة اليمنية “إن ميليشيات الحوثي نهبت 4.6 تريليون ريال يمني (8.7 مليار دولار) خلال عام ونصف العام”، مستنكرة استمرار “اختلاس رواتب المعلمين في المناطق التي تسيطر عليها.”
نشر الجوع
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني “إن ميليشيات الحوثي عمدت إلى نشر الجوع والفقر بشكل ممنهج في أوساط المواطنين بنهبها الخزانة العامة والاحتياط النقدي والإيرادات العامة للدولة والزكاة وأموال الأوقاف، وكذلك تعطيل القطاع الخاص وتقويض فرص العمل لعشرات آلاف العاملين”.
وأوضح الأرياني أن التقديرات تشير إلى أن إجمال الإيرادات التي نهبتها ميليشيات الحوثي خلال عامي 2022 و2023 من قطاعات الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والنفط والغاز ثلاثة أضعاف إيرادات الدولة عام 2014 التي بلغت 1.7 ريال يمني (3.2 مليار دولار)، يصل بند الرواتب فيها إلى نحو 927 مليار ريال يمني (1.7 مليار دولار).
وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأميركي بممارسة ضغط حقيقي على ميليشيات الحوثي لوقف سياسات التجويع والإفقار الممنهج للمواطنين، ونهبها المنظم لإيرادات الدولة وتخصيصها صرف رواتب الموظفين بانتظام وفق قاعدة بيانات الخدمة المدنية عام 2014، عوضاً عن توجيهها لمصلحة قياداتها تحت مسمى “المجهود الحربي”.
المصدر: اندبندنت عربية