من 15 عاماً تقريبا، منذ بدأت العمل الإعلامي في 2008، وأنا حريص على حضور دورات تدريبية تنشيطية من وقت لآخر، مثلي مثل معظم زملائي الإعلاميين، لثقل المهارات وتنمية المدارك، نتيجة التطوّر الحادث في مجال الإعلام، وتطوّر تقنيات التواصل الحديث، تختلف أماكن هذه التدريبات وجهات تنظيمها وطبيعة محتواها، وكذلك ثقافات المشاركين بها، أما هذه المرة، فجاءت دعوة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار كايسيد مختلفة، والاختلاف دائما نعمة.
4 أيام قضيتها في عاصمة المملكة الأردنية، عمّان، بصحبة أكثر من 30 صحفيا وإعلاميا من 15 دولة عربية، لحضور المحطة الأولى من برنامج زمالة الصحافة للحوار، التي ينظمها مركز كايسيد بالتعاون مع مركز راصد، والتي تمحور موضوعها حول نبذ خطاب الكراهية، لا من أجل الاستماع إلى محاضرات، بل مشاركة عدد كبير من الصحفيين العرب تجاربهم، ومناقشة أفكار ترتكز على عملنا الإعلامي الذي يتنوع شكله ومحتواه من بلد لآخر، لكن تبقى معاييره وأخلاقياته وأسسه ثابتة إلى حد كبير في هذه الحقبة من تاريخ منطقتنا.
دور الإعلام في بناء السلام، تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الإعلام وصناعة القرار، مراحل تطور الحوار بين أتباع الأديان في العصر الحديث، الإعلام شريك لتدعيم المبادرات بين الثقافات، عدد كبير من الجلسات التي تتنوع خلفيات المتحدثين بها، ما بين وزير سابق.. برلماني حالي.. سياسي.. كاتب.. مقدمة برامج.. رجل دين.. مسؤول مجتمع مدني.. أستاذ جامعي.. مئات الأفكار تمت مناقشتها بين مختلف الثقافات وحسب آلية العمل في كل دولة، زخم وتواصل وتصحيح مفاهيم وتغيير أفكار وغيرها من أنماط التواصل وقعت خلال الأيام الأربعة التي حمّست المشاركين على تواصل أكبر خلال الفترة المقبلة.
مجموعات عمل جرت لدراسة الفروق بين النقاش والجدال والحوار كآليات للتواصل، السمع والإنصات والعلاقة بينهما، نقاشات موسعة حول تاريخ الحوار بين أتباع الأديان في القرن الماضي، أسبابه وتطوره وإلى ما وصل، الاختلاف بين حوار الحياة والمعايشة والحوارات الفقهية.
ومعنى التربية على الحوار وأهميتها، والمعوقات التي تقف أمام الشعوب لدعم ثقافة بناء السلام، وكيفية تقليل منابع العنف، والعلاقة بين الدين والإعلام وما الذي يؤثر في الآخر، الفرص وكذلك التحديات التي توجد أمام الصحفيين في قضية الحوار تحديدًا، ولماذا يكون الحوار هو خيار الخاصة وليس خيار العامة.
ودور الإعلامي في أي جزء يقع، وما يمكن أن نقدمه نحن الإعلاميون إلى مجتمعنا في سياق دعم الحوار بين أتباع الثقافات المختلفة، كما ناقشنا أيضا العلاقة بين السلطات في مختلف الدول العربية، وأين يقع الإعلام كمؤثر في صناعة القرار، والتباين الواقع في هذا الشأن من دولة لأخرى، مع نقاش واعي حول التحقق من البيانات وانتشار الأخبار المضللة عبر وسائل التواصل وآليات مواجهة هذه الظاهرة مستقبلا وعلاقتها بعملنا الإعلامي.
لم يقع النقاش في الغرف المغلقة فقط، بل قمنا بزيارة ميدانية إلى جامعة الشرق الأوسط، والتقينا بالسيدة رئيسة الجامعة وعدد من أعضاء هيئة التدريس، تفقدنا كلية الإعلام واستوديوهاتها، وشاركنا الأفكار والاهتمامات، كذلك زرت المدينة الإعلامية الأردنية، ودخلت إلى مقر قناة رؤيا، وأجريت حوارًا مع الزملاء حول قضايا بناء السلام والحوار وأهمية نبذ خطاب الكراهية في مجتمعنا العربي، خاصة مع انتشار هذا الخطاب عبر وسائل التواصل الحديثة.
وكان لنا فرصة للتعرف على اهتمامات الزملاء الإعلاميين من مختلف الدول العربية، كما تطرّقنا إلى دراسة حالة لخطاب الكراهية في الأردن عبر السوشيال ميديا، وناقشنا مع الزملاء آليات الحد من هذه السلوكيات ودعم الخطط التي تعمل على بناء السلام وتنمية ثقافة الحوار في بلادنا.
إعلاميون من مصر والأردن ولبنان والسعودية والإمارات واليمن والعراق وليبيا والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وفلسطين، من ديانات مختلفة وثقافات متنوعة، أكلنا وشربنا ودرسنا وعملنا وسهرنا، عشنا سويًا 4 أيام، ساعات قليلة بمقياس الزمن، ولكنها خبرة عملية معاشة لن أنساها، وأثق أنه سيكون لها تأثير على رؤيتي لمهنتي وخياراتي وعملي الإعلامي المشترك بين دولنا العربية في المستقبل القريب.