في خطوة اعتبرها البعض غير دستورية ومن المرجح أن تواجه تحديات قانونية ودستورية وتساؤلات عن دور الدين في المجتمع والسياسة الأميركية، تغلبت الأبرشية الكاثوليكية في ولاية أوكلاهوما على عقبة رئيسية يوم الاثنين الماضي في جهودها لإنشاء أول مدرسة دينية ممولة حكوميا في تاريخ الولايات المتحدة.
وصوّت مجلس إدارة مدارس ولاية أوكلاهوما بالموافقة على طلب تأسيس مدرسة دينية ممولة حكوميا، وجاءت هذه الموافقة على الرغم من تحذير المدعي العام للولاية جنتنر دروموند من أن القرار غير دستوري.
وكانت أبرشية أوكلاهوما الكاثوليكية قد تقدمت بطلب لإنشاء مدرسة (افتراضية تُدرس عن بُعد) سمتها “سانت إيزيدور” (St. Isidore)، تكون متاحة للتلاميذ في جميع أنحاء الولاية من مرحلة رياض الأطفال حتى انتهاء الدراسة الثانوية.
تعليم وتبشير
وذكرت أبرشية أوكلاهوما في طلبها “تشارك المدرسة الكاثوليكية الجديدة في مهمة التبشير للكنيسة وهي البيئة المتميزة التي يتم فيها التعليم المسيحي”. كما عبّر بريت فارلي، المدير التنفيذي للمؤتمر الكاثوليكي في أوكلاهوما، عن سعادته بالقرار، وقال “نحن مبتهجون لأن المجلس وافق على حاجتنا وطلبنا لإنشاء أول مدرسة دينية مستقلة في البلاد”.
من جهة أخرى، أشاد حاكم أوكلاهوما الجمهوري كيفن ستيت بتصويت المجلس، وهو الذي وقع في وقت سابق من هذا العام على مشروع قانون من شأنه أن يمنح الآباء في الولاية حافزا ضريبيا لإرسال أطفالهم إلى المدارس الدينية.
وقال ستيت في بيان له إن “هذا انتصار للحرية الدينية وحرية التعليم في ولايتنا العظيمة، وتشجعني هذه الجهود لمنح الآباء المزيد من الخيارات عندما يتعلق الأمر بتعليم أطفالهم”.
وستكون المدرسة مجانية للطلاب من مرحلة الروضة وحتى الصف الـ12 الثانوي، ويتم تمويلها مثل أي مدرسة عامة حكومية أخرى في ولاية أوكلاهوما.
وينتظر أن تفتح المدرسة أبوابها للعام الدراسي 2024-2025، وستقبل 500 تلميذ في مراحلها الأولى، وستخدم بالأساس أولاد العائلات الكاثوليكية الريفية التي تعيش بعيدا عن مناطق توفر تعليما كاثوليكيا.
ويشير خبراء إلى احتمال وجود سياسات تمييزية، حيث لا يجب أن يرتبط القبول بالمدارس العامة بعقيدة التلاميذ، وترد المدرسة بالقول إنها لن تطلب من التلاميذ أن يكونوا كاثوليكا، على الرغم من إقرارها بأن الطلاب سينغمسون في المعتقدات الدينية الكاثوليكية.
معارضة متوقعة
يحظر دستور ولاية أوكلاهوما تدريس العقيدة الطائفية أو الدينية في المدارس العامة المستقلة، ويذكر النص أنه “يجب أن تكون المدرسة المستقلة غير طائفية في برامجها وسياسات القبول وممارسات التوظيف وجميع العمليات الأخرى. لا يجوز للولاية السماح بوجود مدرسة أو برنامج مستقل تابع لمدرسة طائفية غير عامة أو مؤسسة دينية”.
وقال المدعي العام للولاية إن “الموافقة على أي مدرسة دينية ممولة من الأموال الحكومية تتعارض مع قانون أوكلاهوما وليس في مصلحة دافعي الضرائب. ومن المخيب للآمال للغاية أن أعضاء مجلس إدارة مدارس ولاية أوكلاهوما انتهكوا قسمهم من أجل تمويل المدارس الدينية بدولارات الضرائب لدينا. وبقيامهم بذلك، عرض هؤلاء الأعضاء أنفسهم والولاية لإجراءات قانونية محتملة، قد تكون مكلفة”.
كما نددت منظمة “أميركيون متحدون من أجل الفصل بين الكنيسة والدولة” بموافقة المجلس، وذكرت أنه من الصعب التفكير في انتهاك أوضح للحرية الدينية لدافعي الضرائب في أوكلاهوما وعائلات المدارس العامة من الدولة، التي تنشئ أول مدرسة دينية عامة مستقلة في البلاد.
وتعهدت المنظمة باتخاذ جميع الإجراءات القانونية الممكنة لمحاربة هذا القرار، والدفاع عن الفصل بين الكنيسة والدولة، الذي وعد به كل من دستور ولاية أوكلاهوما والدستور الأميركي.
نظام مدرسي معقد
من بين 49 مليون تلميذ أميركي ينتظمون فيما يقرب من 116 ألف مدرسة في مختلف المراحل التعليمية، ينتظم ما يقرب من 3.5 ملايين تلميذ منهم في أكثر من 20 ألف مدرسة دينية خاصة، يعمل بها 330 ألف مدرس. ومن بين هذه المدارس هناك 88 مدرسة إسلامية خاصة ينتظم بها ما يقرب من 15 ألف تلميذ، ويعمل بها ما يقرب من ألفي مدرس، وذلك طبقا لتقرير لوزارة التعليم الأميركية.
وتشرف كل ولاية على نظامها التعليمي، وفي الكثير من الحالات تعود المسؤوليات للمقاطعات داخل كل ولاية.
والمدارس الدينية هي مدارس خاصة لا تتلقى تمويلا حكوميا سواء من حكومة الولايات أو الحكومة الفدرالية. وتسمح بعض الولايات بتوفير كوبونات مالية لبعض العائلات، يمكن أن تستخدمها لدفع جزء من رسوم تعليم أولادها.
وتعرف أميركا تنوعا دينيا واسعا بين سكانها الذين بلغ عددهم العام الماضي ما يقرب من 332 مليون نسمة، منهم 71% من المسيحيين، بينهم 21% من الكاثوليك، والبقية من البروتستانت وبعض الطوائف الأخرى، في حين بلغت نسبة اليهود 1.9% والمسلمين 1% والهندوس 0.07% والبوذيين 0.08%، في حين تبلغ نسبة الملحدين ما يقرب من 15%.
الدستور الأميركي
ويمكن للمعركة القانونية أن تختبر التعديل الأول للدستور الأميركي، الذي يحظر على الحكومة سن أي قانون ذي طبيعة دينية، كما يحظر على الحكومة سن سياسات تفضّل دينا على أي دين آخر.
لا يحتوي الدستور الأميركي على أي ذكر لكلمة الرب أو الله أو الآلهة، واستخدمت كلمة الدين فقط للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم، فالفقرة السادسة من الدستور تنص على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل أي وظيفة حكومية.
وبعد سنوات، تم تبنى أول تعديل في الدستور الأميركي للتأكيد على عدم قيام الكونغرس بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني.
ويعد المجتمع الأميركي أكثر المجتمعات المتقدمة المتجهة بسرعة نحو المزيد من التدين الواضح، رغم علمانية النظام السياسي.
وكشف استطلاع حديث للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث، أن تفشي فيروس كوفيد-19 أجج مشاعر الإيمان في نفوس الكثير من الشعب الأميركي، حيث صلى نصفه تضرعا إلى الله للحد من انتشار فيروس كورونا.
كما وسعت المحكمة العليا الأميركية، التي تتمتع بأغلبية من المحافظين، الحقوق الدينية في السنوات الأخيرة، وكان الإجهاض على رأس هذه القضايا التي اتخذت فيها المحكمة مواقف على أسس دينية.
المصدر : الجزيرة